الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجسمية @ 4ـ أهمية البيئة الصحية للنمو الجسمي السليم
إن الشخصية الإنسانية بكل مقوماتها المادية والمعنوية وجوانبها المتعددة لا تزيد على أن تكون نتاجاً لمجموع المؤثرات البيئية : الاجتماعية منها، والفيزيقية، وما زالت البيئة المادية بمتغيراتها المختلفة التي تحيط بالإنسان، وتحاصره بنفوذها من كل جانب : تُؤثر فيه كأبلغ ما يكون، حتى تعمل عملها في صحته الجسمية، وسلامته العقلية، وراحته النفسية. وحتى الجانب الخلقي الذي يبعُد عن الذهن تأثُّره بالبيئة الفيزيقية؛ فإن لها في هذا الجانب تأثيرها الفعَّال في الإنسان كأشد ما يكون حتى ينطبع بطابعها، ويتصف بصفاتها، وفي الحديث : (( من بدا جفا ))، وفي رواية أخرى : (( من سكن البادية جفا ))، يعني غلُظ طبعه، بمعنى أنه تأثر ببيئته، وانطبع بطابعها.
ولما كان للبيئة المادية هذا التأثير البالغ في كيان الإنسان : جاءت التوجيهات الرَّبانية " بحتمية المحافظة عليها، وعدم استنزافها، أو تلويثها، أو سوء التعامل معها، بمعنى تحسين العلاقات البيئية، والقضاء على مشكلاتها، بما في ذلك علاقة البشر مع الطبيعة … بهدف إيجاد نوعية أفضل للبيئة، وتحسينها، والارتقاء بها … في إطار المعايير والتشريعات التي قررها الإسلام "، حيث حمَّل الإنسان المكلَّف - ذكراً كان أو أنثى - المسؤولية الخلقية تجاه البيئة العجماء بنوعيها : الحي والميت، فحدد مجالات الإفادة من الثروة الحيوانية، وطرق التعامل معها، بما يخدم الصحة الإنسانية، ووجَّه للعناية بالثروة النباتية، فرغَّب المحسن في ذلك بالثواب، وهدَّد المسيء بشديد العقاب، وأحكم طرق الإفادة من ثروات الأرض وكنوزها، وضبط أساليب التعامل مع مواردها المائية، وفجاجها المطروقة، ومواقع تجمعات الناس؛ بما يحفظ للبيئة سلامتها، ونقاءها مما يضر بصحة الإنسان الجسمية، وقواه البدنية، حتى اعتبر إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، واعتبر في الجانب الآخر مجرَّد البصق في المسجد خطيئة. وكل ذلك في الوقت الذي لم تعرف فيه أوروبا أهمية العناية بصحة البيئة إلا في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وفي الوقت الذي لم تعرف فيه البشرية عبر التاريخ تلوُّثاً بيئياً كالذي تعاني منه اليوم، في ظل الأنظمة السياسية الظالمة، والتجمعات الاقتصادية الجائرة، حيث يعاني الشباب من الجنسين - ضمن معاناة الأمة العامة - آثار التلوث البيئي، خاصة في الدول النامية، ولا سيما على النساء رغم الأهمية البالغة لسلامة النساء الصحية -بصورة خاصة- للقيام بمهامهن الأساسية في الحمل، ورعاية النسل.
" وعلى الرغم من هذه الضجة التي أثيرت حول تلوث البيئة، وتسارع الدول إلى اتخاذ وسائل السلامة، واصطناع سبل الأمان، إلا أن التلوث يزداد يوماً بعد يوم، ويكتسح البر والبحر، ويفسد الماء والهواء، ويُهلك الحرث والنسل "، وكل ذلك بما اقترفته يد الإنسان، بسبب جشعه وإهماله، وصدق الله العظيم إذا يقول : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم:41].