الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية @ 27ـ مدخل إلى العلوم الإنسانية من الوجهة الإسلامية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2863
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

لقد كان للغربيين إسهامهم الكبير في ميادين الحضارة الإنسانية المعاصرة، ولا سيما في الميدان المادي، الذي بلغوا فيه مداً بعيداً، في حين لم يحظ الميدان الروحي بنصيبه الذي يستحقه من الجهود العلمية عند الغربيين، مما صبغ الحضارة الغربية المعاصرة بالصبغة المادية القاسية، التي انعكست على النفوس ظلمة، وعلى العلاقات الاجتماعية جفوة.

ويمكن تقسيم العلوم التي كان للغربيين إسهام فيها إلى قسمين على النحو التالي:

القسم الأول: علوم كونية، كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات ونحوها، وهذه العلوم في أصلها محايدة لا تتأثر بعقائد أهلها، ولا بتوجهاتهم الفكرية، بحيث يشترك فيها الجميع، قد وجدت قبل وجود الإنسان، وإنما دوره في اكتشافها والاستفادة منها، فلو بقيت هذه العلوم الكونية على حيادها، دون فصلها عن خالقها سبحانه وتعالى، ودون توجيهها الوجهة المادية الإلحادية: فإنها تصبُّ في صالح المؤمنين، فهي المعنية بالنظر والتأمل في قوله تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]، فليس في السماوات والأرض مما يمكن النظر  إليه وتأمله إلا هذه العلوم والمعارف الكونية المحايدة، التي تسوق المتأملين الناصحين إلى ربهم عز وجل، فتزيد الإيمان، وتقوي اليقين.

بيد أن هذه العلوم حين تقدم للمتعلمين مفصولة عن خالقها سبحانه وتعالى، مقطوعة عن أصلها الرباني: فإنها تخلِّف في المتعلمين غطرسة وعربدة وإلحاداً، وهذا ما يلاحظ في سلوك غالب الباحثين من غير المسلمين، حين لم ينتفعوا بهذه المعارف الكونية العظيمة، ولم يستفيدوا من النُذُر التي تحملها هذه الآيات الكونية في التعرف على خالقهم سبحانه وتعالى، والإذعان له، وعبادته وحده دون سواه، فما ازدادوا بهذه العلوم إلا بعداً عن الله تعالى.

إن الرسالة الإيمانية التي تحملها العلوم الكونية للإنسان هي عين الرسالة التي يحملها الوحي إليه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تتناقض الرسالتان ولو في جزئية بينهما؛ وذلك لأن مصدرهما واحد، وهو الله جل جلاله، ومن المحال أن يصدر عنه سبحانه وتعالى تناقض، وإنما يقع التناقض في أفهام الناس، حين تقصر مداركهم عن استيعاب الحقيقة على وجهها الرباني الصحيح، سواء كان ذلك في الرسالة الكونية، أو في رسالة الوحي المنزل.

القسم الثاني: علوم إنسانية، كالتربية، وعلم النفس، والمناهج، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع ونحوها، ويدخل في ذلك الشرائع السماوية المنزلة عبر الوحي الرباني على الرسل الكرام عليهم جميعاً الصلاة والسلام، إضافة إلى العادات والتقاليد، وما يعد ثقافة أممية خاصة، وهذه العلوم ارتبطت بالإنسان؛ إذ لم يكن لها وجود قبله، ولعل هذا هو سبب تسميتها بالعلوم الإنسانية.

وهذه العلوم في مجملها خصوصيات شعوبية، لكل شعب ما يميزه من هذه العلوم عن غيره، ويصعب بل يستحيل اتفاق الشعوب جميعاً على القبول بعلم منها دون تعديل يوافق نهج الأمة، وفلسفتها في الحياة، ونظرتها إلى الكون والإنسان.

وبنظرة سريعة لبعض هذه العلوم الإنسانية كعلم النفس، أو التربية، أو الاقتصاد، أو الاجتماع ونحوها يجد الناظر فيها تبايناً واضحاً جلياً بين الأمم، قد تأثر كل علم منها بعقائد أهله، وتصوراتهم الفلسفية وتوجهاتهم الفكرية، إضافة إلى قوميتهم العرقية، ومذاهبهم السياسية، فأنى  لأمة اليابان أو الصين أن تنطبق نظراتهم التربوية، ومفاهيمهم الاجتماعية مع دول أوروبا وأمريكا، بل من الصعوبة بمكان أن تنطبق الوجهة التربوية وفلسفتها بين فرنسا وبريطانيا وأمريكا، رغم وحدة الديانة، والتوافق السياسي فيما بينهم، فإذا كان من السائغ أن يختلف هؤلاء فيما بينهم، رغم القواسم المشتركة التي تجمعهم: فإن من السائغ أيضاً، بل من البدهي أن يختلف المسلمون مع كل هؤلاء في علومهم الإنسانية، لا سيما وأن منهج الإسلام لا يقبل الشرْكة مع غيره.

إن نقطة الخلاف الجوهرية بين الأمة الإسلامية وبين غيرها من الأمم في شأن العلوم الإنسانية هو اعتقاد المسلمين الراسخ بأن الله تعالى هو خالق الكون ومدبره في كلياته وجزئياته، وهو وحده صاحب الحكم فيه، فليس لأحد - أياً كان - أن يشاركه - سبحانه وتعالى - في حكم الكون، أو في جزء منه؛ كما قال عز من قائل:{... أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ...} [الأعراف:54]، فالخلق خلقه، والأمر له وحده سبحانه وتعالى، يقضي ما شاء في عباده، في حين لا تتفق الأمم الأخرى مع هذه النظرة الإسلامية، حتى وإن كانت غالب الأمم تتفق مع المسلمين في التسليم لله تعالى بأنه خالق الكون؛ إلا أنها لا ترى لله حقاً في أن يكون هو وحده صاحب الأمر في هذا الكون، فإما رفض سلطانه - سبحانه وتعالى - بالكلية، وإما اتخاذ الشركاء والأنداد للحكم معه، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف:106].

لقد كان من نتائج الثورة الفرنسية بروز المفهوم العلماني الذي يفصل الخالق عن المخلوق، والإله عن العبيد، فليس لله تعالى - حسب زعمهم - سلطان في الحياة يرجع الناس إليه في حكمهم، مع الاعتراف له - جلَّ شأنه - بأنه خالق الكون، وهذه النظرة القاصرة النكدة قد تغلغلت - كأبعد وأعمق ما يكون - في العلوم الإنسانية المعاصرة، فليس لله حكم ينفِّذه الإنسان في السياسة أو الاقتصاد أو التربية أو الاجتماع ونحوها، وإنما تحكم هذه العلوم نتائج وثمرات الفكر البشري، ومن هنا تأتي المباينة والمفارقة الكلية بين من يعتقد أن الله تعالى وحده هو صاحب الحكم في كل جزئيات ومناحي الحياة الكونية والإنسانية، وبين من يعتقد أن الله تعالى لا دخل له في شؤون حياة الناس، ومعاشهم وتصرفاتهم، ونتائج أفكارهم، فكيف - والحالة هذه - يكون مستساغاً عند المسلمين الأخذ عن علوم الغرب الإنسانية، فضلاً عن تبني أفكارها ومعتقداتها، والعمل بها.

ولا شك أن هناك جزءاً مما تتضمنه العلوم الإنسانية يمكن أن يكون مشتركاً بين الشعوب، فيما يتعلق ببعض فنِّيات البحث العلمي، وشيء من محتويات المقاييس النفسية والعقلية، إضافة إلى الخبرات الإنسانية المتراكمة ونحو ذلك، ضمن الحكمة التي ينشدها المسلم، دون إفراط أو تفريط.

إلا أن الواقع في التطبيقات العربية في ميدان العلوم الإنسانية يعيش حالة من الذوبان الفكري الذي لا يكاد يميِّز بين ما هو علمي مشترك بين الأمم قاطبة كالعلوم الكونية، وبين ما هو ثقافي أممي يخصُّ كلَّ أمة وحدها دون غيرها، فشكل الأسرة في نظام الاجتماع الإسلامي - على سبيل المثال - لا يحتمل إلا شكلاً واحداً وهو: عقد شرعي صحيح بين رجل وامرأة، في حين قد يكون هذا الشكل الإسلامي واحداً من الأشكال الأسرية المتعددة والمقبولة في علم الاجتماع عند الأمم الأخرى، ومع أن هذه المسألة في علم الاجتماع الإسلامي جزئية صغيرة في باب النكاح في الفقه الإسلامي، إلا أنها من مسائل الإجماع التي تُعرِّض المسلم المخالف لها، المعتقِد بغيرها إلى الردة عن الإسلام.

ومن الأمثلة أيضاً الحديث المتكرر في تاريخ التربية وتطورها عن أصل الإنسان، حينما تتحدث بعض الأبحاث عن الإنسان القديم، فتَسِمُه بالتخلف العقلي، والعقدي، والسلوكي، وكأنها تتحدث عن فئة من غير البشر، لها أشكال تشبههم، مع إغفال كامل لحديث الأديان السماوية عن " آدم " عليه السلام، باعتباره الإنسان الأول والأقدم، مع ما احتفت به شخصيته من الكمال الجسمي والعقلي والعلمي، إضافة إلى الحفاوة الربانية والملائكية بهذا المخلوق المكرم العظيم، فالقول بتخلف الإنسان القديم يعارض إخبار الله عن آدم عليه السلام أنه مخلوق في أحسن تقويم، وهذا القول قد يوقع صاحبه في الردة.

وعلى فرض أن الله تعالى خلق خلقاً من البشر قبل آدم عليه السلام، فهؤلاء لا يمكن أن يكونوا متخلفين عقلياً في الوقت الذي يكونون فيه مكلفين شرعاً، فإن الله تعالى لا يكلف إلا العاقل القادر على الاختيار، وقد ارتبط الإنسان منذ أول وجوده بالتكليف، ومن لم يكن مكلفاً، بمعنى أنه ليس بعاقل فإنه ليس بإنسان، فقد خلق الله طوائف من الكائنات لا حصر لها، كلها غير مكلفة، بمعنى أنها ليست عاقلة قابلة لمسؤوليات التكليف.

وأما القول بأن التخلف العقلي طرأ على الإنسان بعد آدم بأجيال فهذا أيضًا مرفوض؛ لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا سلسلة مترابطة متصلة منذ آدم وحتى محمد r، وهم بلا شك أكمل الخلق على الإطلاق، ويستحيل أن يبعث الله رسولاً ليقيم الحجة على قوم لا يستوعبوها عقلياً.

هذه المسائل العقدية وأمثالها كثير جداً من المسائل الأخلاقية والسلوكية والفكرية ونحوها، لا تكاد تنفك عنها مباحث وموضوعات العلوم الإنسانية بأنواعها المختلفة.

إن مشكلة البحث في العلوم الإنسانية المستوردة لا تكمن في مسألة أو مسألتين تخالف معتقد الباحث المسلم، وإنما في كل جزئية من جزئياتها، وفي كل منطلق من منطلقاتها، حتى إن هذه العلوم لتنصبغ بالصبغة اللادينية، في كل تفصيلاتها وكلياتها، ولا يكاد ينجو من ذلك إلا اليسير، ففي الوقت الذي يعتقد فيه المسلم أن الحاكمية لله وحده في كل تفصيلات وكليات العلوم الإنسانية: تأتي هذه العلوم المستوردة مفرغة من حكم الله تعالى الذي يرتضيه المسلم، حيث يعتقد بُناتها - من غير المسلمين - أنه لا دخل لله تعالى فيها.

إن المتأمل لأول وهلة في مضمون العلوم الإنسانية يدرك بجلاء أن مباحثها وموضوعاتها في غالبها هي مباحث الوحي وموضوعاته وحديثه الذي أنزله على رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام؛ ليكون هداية وإرشاداً وإلزاماً للناس، فالعلوم الإنسانية تتحدث عن عقائد الناس وتصوراتهم، وأخلاقهم وسلوكياتهم، وعن نظامهم السياسي، وشؤونهم الاقتصادية، وعن علاقاتهم وصِلاتهم، وتاريخهم القديم والحديث ونحوها، وهذه المسائل هي عين المسائل التي تحدث عنها الوحي، وحفلت بها الرسائل السماوية والشرائع المنزلة، ولا سيما الرسالة المحمدية الخاتمة، ولا شك أن هذا الاتحاد في الموضوعات بين العلوم الإنسانية والوحي المنزل يجعل الباحث على مفترق طريقين خطيرين، بين ما هو نتاج فكري بشري، وبين ما هو وحي رباني منزل، إذ من المستحيل أن تتوافق المضامين العلمية والفكرية في كلياتها وجزئياتها بين ما هو وحي، وبين ما هو نتاج فكري إنساني، مما يهدد الباحث في هذه العلوم في عقيدته، وأصول دينه، لأنه من المتعذر على الباحث في هذه العلوم الإنسانية، ولا سيما الغربية منها: أن يَسْلَمَ من الموافقة لها ولو في شيء منها، خاصة الباحثين المبتعثين للدراسات الإنسانية في أوروبا وأمريكا، فأنى لهم أن يكتبوا بحثاً تربوياً أو نفسياً أو اجتماعياً أو تاريخياً يخلو من شوائب الفكر الغربي، وتأثيراته اللادينية؛ بحيث تنسجم أبحاثهم، أو على الأقل لا تتعارض مع معتقداتهم الإسلامية، إن مثل هذا يتعذر إلا في أضيق الحدود، وضمن ظروف علمية خاصة، لا تكاد تجتمع لغالب الباحثين المبتعثين.

إن حكم الله تعالى المنزل في كتابه وسنة نبيه r، والذي ألزم به عباده: قد شمل كل جوانب الشخصية الإنسانية: الإيمانية، والروحية، والأخلاقية، والاجتماعية، والنفسية، والعقلية، والجسمية، والسياسية، والاقتصادية، والبيئية، والجنسية، وفي جميع كلياتها وجزئياتها، بحيث  لا يشذ من ذلك شيء، فليس من مسألة - مهما  كانت صغيرة وجزئية - إلا وقد شملها حكم الله تعالى ضمن أحكامه الخمسة: الحلال، أو الحرام، أو المكروه، أو المستحب، أو المباح، فهذه الأحكام لا يضعها الناس لأنفسهم - كما هو واقع الأمم الأخرى - وإنما يضعها الله تعالى لهم، حتى المباح فإنه حكم شرعي لله تعالى، مثله مثل الحرام، لا يصح أن يصدر عن البشر لأنفسهم، كما قال الله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل:116]، وقد كان السلف رضي الله عنهم يكرهون التصريح بلفظ التحريم أو التحليل أدباً مع الله تعالى، وإنما يقولون ويُكَنُّون بغير هذا من عبارات الكره أو الميل، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "إن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل، وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان، إلا أن يكون الباريء تعالى يخبر بذلك عنه".

إن أزمة العلوم الإنسانية التي نشأت في البيئة الغربية تكمن في الفصل والتمييز بين عالم الغيب وعالم الشهادة، بين المادة والروح، وذلك بطريقة إقصائية، بمعنى أن من أخذ بطرف فلا بد أن ينكر الطرف الآخر، بحيث يتعذر في تصوراتهم الجمع والتوفيق بينهما.

ومن هذا المنطلق الخطير برزت الوجهة نحو أسلمة العلوم الإنسانية، وسعى كثير من الباحثين المسلمين في العلوم الإنسانية المعاصرة إلى محاولة تأصيلها من الوجهة الإسلامية، ضمن اجتهادات مشكورة في جملتها، لا تخلو من أخطاء بشرية لا بد منها، ومن هذه الجهود ما قام به المعهد العالمي للفكر الإسلامي من خلال أربعة مؤتمرات علمية متتالية، في الأعوام: 1977م، و1982م، و1984م، و1987م، وكذلك ما قامت به جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من جهود علمية بهذا الخصوص، إضافة إلى الجهود الفردية الكثيرة التي تناولت قضايا وموضوعات في مجال التأصيل والأسلمة للعلوم الإنسانية.

ومما يشير بوضوح إلى خطر هذه العلوم، حين تُقدَّم للدارسين المسلمين  دون مراجعة أو تأصيل ما قاله رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في افتتاحية المؤتمر العالمي الرابع المنعقد في السودان عام 1987م، حيث قال: « إن هذه العلوم الإنسانية والاجتماعية التي جاوزت اليوم خارطتها العشرين علماً... بمقتضى توجيهاتها وقواعدها المختلفة، ووفقاً لتأثيراتها الثقافية تصاغ عقلية الإنسان المعاصر مهما كان دينه. وهي كلها - بدون استثناء - من مولدات العقل الغربي الذي صاغها وبنى مقدماتها بما يلائم فلسفته وفكره ونظرته المركبة المعقدة إلى الكون والإنسان والحياة، وجعلها بحيث تلبي حاجاته هو دون نظر لحاجات أحد سواه. وكثيراً ما يطلق السوفييت على مقاييس ومناهج بعض هذه العلوم بأنها مقاييس أو مناهج رأسمالية، ولست أدري ماذا يطلق عليها المسلمون عندما يفيقون ويعلمون ؟ ».

ومن بين الجهود المشكورة في بناء الفكر التربوي المؤصل إسلامياً ظهور مصطلح "التربية الإسلامية"، ليكون معلماً لجمع شمل الباحثين التربويين الإسلاميين، ومنطلقاً لهم لجهود الأسلمة والتأصيل، حتى أصبح هذا المصطلح - فيما بعد - تخصصاً مستقلاً في بعض الجامعات العربية ضمن كليات التربية والعلوم الإنسانية، وربما كانت له أقسام خاصة به في بعض الجامعات، مما أسهم في ظهور جمع كبير من الدراسات الجامعية في سنوات قصيرة، نال أصحابها درجتيْ الماجستير والدكتوراه في التربية الإسلامية، باعتباره تخصصاً دقيقاً ضمن تخصص أصول التربية، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير في فترة قصيرة من تاريخ هذا التخصص، والباحثون في التربية الإسلامية يتطلعون في القريب إن شاء الله تعالى إلى أقسام وكليات مستقلة في جميع الجامعات العربية والإسلامية، لتكون المنطلق العلمي في بناء تربية نابعة من أصول الأمة العقدية، وثقافتها الإسلامية، تعبِّر عن ذاتها المستقلة، وشخصيتها المتميزة، فلا تكون ظلاً لغيرها، ولا صدى لفكر أو تصور أو فلسفة أجنبية، تعارضها في أصولها ومنطلقاتها وأهدافها.