الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية @ 4ـ الحاجة إلى التعليم الديني


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 1928
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

من السهولة بمكان نقل إجماع خبراء المناهج على أن: " كل منهاج ينطلق من فلسفة تربوية معينة، وطبيعي أن تنطلق فلسفة التربية في أي مجتمع من فلسفة ذلك المجتمع وثقافته، ذلك أن المنهاج أداة المجتمع الرئيسة لتربية أبنائه، وتشكيل خاماتهم وفقاً للصورة التي يريدها "، والناظر في الواقع التربوي العالمي، ومناهجه المختلفة في التربية والتعليم يجدها لا تكاد تنفك عن شيء من المضمون الديني، - يقل أو يكثر - ابتداء من دولة إسرائيل المزعومة، وانتهاء بدولتي اليابان والفلبين، ومروراً ببعض دول أوروبا، مثل: فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والنرويج، بل حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض حظراً على تدريس الدين في مدارسها، وتُلحُّ على الدول العربية والإسلامية بإلغاء التعليم الديني بحجَّة الإرهاب، وتتزعَّم اليوم مبدأ فصل الدين عن الحياة؛ فإن (90%) من أبنائها يتلقون من خلال المنهج المدرسي قدراً من التربية الدينية، حتى إن مقرراً واحداً في التاريخ للصف الثالث المتوسط حوى (61%) من القيم الدينية، وكانت مدارسها مع بداية القرن العشرين الميلادي تفتتح يومها بقراءة فصل من الكتاب المقدس، وشيء من الترانيم الدينية، وبعض الصلوات الروحية على الطريقة النصرانية، وأعجب من هذا ظهور الاتجاه الديني المتنامي في سياسة الحكومة الأمريكية، وفي سلوك وتعبيرات رؤسائها المتأخرين، رغم أن الدستور يؤكد بوضوح على فصل الدين عن السياسة، وقد أجريت دراسة علمية حديثة شملت تحليل العديد من مناهج دول العالم المتقدمة؛ للكشف عن جذورها ومرتكزاتها الفكرية والثقافية، فكان من أهم نتائجها ما يلي: " تُبِّين البحوث وأوراق العمل محورية الدين كمرتكز أصيل، تنهل منه الثقافة، وتنسدل في لحمته القيم الكامنة في النصوص الثقافية والمنهجية والتعليمية، مما يجعله جذوة يفسر في ضوئها معظم الأسس والمنطلقات ".

إن الناظر في الشأن الغربي ليتعجب من هذه الوجهة الدينية القوية في السياسات التعليمية للدول الغربية، رغم أن الفكرة العلمانية قد طغت بظلالها على عالم الغرب بصورة كاملة مع نهاية القرن السابع عشر الميلادي، ثم أسس في عصر النهضة لمعرفة علمية لا تستند إلى الدين، وإنما للمشاهدات الحسِّية المادية، حتى حلَّ عصر التنوير لتُعلن فيه الحرب العامة الشاملة على الدين ومؤسساته المختلفة، ورغم كلِّ هذا التاريخ من الصراع والعداء الواضح للدين: تبقى جذوته متوقِّدة متأجِّجة كامنة داخل النفوس، وفي مؤسسات المجتمع، تُؤثر في أهلها، وتُوحِّد أتباعها، وهذا يدل على: " أن فلسفة التعليم العام التي تأخذ بها مجتمعات العالم المتقدم تتلخص في اعتباره أهم أداة لتأصيل الهوية الثقافية وتحديثها "، فلا يُستغرب أن يتلقَّن شعب اليابان يومياً ما جاء في قانون التعليم الإمبراطوري؛ ليكون ذلك سراً من أسرار قوة تماسكهم، وصلابة ارتباطهم بمعتقداتهم، في الوقت الذي تغيبت فيه - للأسف - أداة تأصيل الهوية الثقافية في فلسفة التعليم العام في أغلب المجتمعات الإسلامية، وتبرز فيها تيارات فكرية عقلانية، تقدم معارف تتعارض مع الوجهة الدينية الإسلامية.

هذا الواقع العالمي يدل على أن الدين عنصر ثقافي رئيس في حياة المجتمعات الإنسانية وملازم لها، ومتغلغل في ذاتها الإنسانية منذ أول البشرية وحتى اليوم، وعبر نهضتها الحضارية والعمرانية، وبناء على هذا الواقع العالمي: فلن يكون غريباً، أو مستهجناً في المجتمع الإسلامي المعاصر أن يقوم منهج التربية الإسلامية من خلال المؤسسات التربوية المختلفة ببث مجموع الخبرات، والمهارات، والمعارف الإسلامية للتنمية الشاملة للمتعلمين، في اتجاه تمكينهم من عمارة الأرض، وفق منهج الإسلام وشريعته؛ فالإسلام يمثل جوهر الثقافة عند المسلمين، حيث أرسى قواعدها، وبيَّن أصول السلوك، وأوضح مناهج التفكير، وحدد الغاية والهدف، وربط كل ذلك بالعقيدة، وبناء على ذلك يكون هدف التربية العقلية هو: " تركيز مفاهيم الإسلام وأحكامه لدى الناس، لتجري تصرفاتهم على أساسها، بحيث يصبح الإسلام عندهم مقياس كل قضية ".