الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية @ 3ـ أهمية البيئة العلمية للنمو العقلي السليم


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2038
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن البيئة التي يحتكُّ فيها المتربي، ويتفاعل فيها عقلياً وجسمياً في جو من الحرية الفكرية: هي مادة التَّعلُّم الأولى، فإن " نوع القدرات وحجمها، وتعددها مشروط بالظروف الاجتماعية والعوامل المادية التي يعيش فيها الأفراد، فعلى الرغم مما يُوجد لدى الفرد من استعدادات عريضة مرنة، إلا أن نموها وتكشُّفها يعتبران رهناً بهذه الظروف والعوامل "، حيث تظل هذه الخصائص الموروثة كامنة، وناقصة النمو، ومعطَّلة في طبائع أصحابها حتى تُتاح لهم فرص تحريضها، وتنميتها من جديد في بيئة علمية صالحة؛ بل إن ظروف الحياة البيئية قد تُوجد من المواقف القاسية والغليظة ما من شأنه إعاقة الازدهار الطبيعي لنمو القدرات العقلية؛ فإن العلاقة إيجابية بين التفوق الأكاديمي وبين الراحة النفسية، ومن هنا فإن حاجة الفتاة للنمو العقلي مزدوجة بين جودة الموروثات الفطرية، وصحة البيئة الاجتماعية.

ورغم تخلُف البيئة العلمية الجيدة للنمو العقلي السليم في الحياة الاجتماعية المعاصرة، فإن على المجتمع المسلم أن يُراعي - على الأقل - مبدأين بيئيين للنمو العقلي السليم، وذلك بعد سلامة المتعلمات من الأمراض النفسية المعطلة للقدرات العقلية، وهما على النحو التالي:

المبدأ الأول:: تكافؤ الفرص التعليمية، فإن الرغبة في البراعة والتفوق جامحة عند عموم الشباب من الجنسين، والطاقات العقلية فيهم نامية، ومتوقِّدة وتحتاج إلى استغلال، والنزعة الإبداعية ليست مقصورة على فئة من الناس؛ بل مبثوثة في طبائع الأفراد، كامنة في غالب البشر، إلا أنها تحتاج إلى بعثٍ واستخراج، فبقدر ما تُتاح فرص المعرفة العلمية - بغض النظر عن الجنس - يزداد التفوق العلمي والتحصيل الدراسي، فقد تكون البيئة العلمية واحدة فتتفوق الفتاة على أخيها بمراحل، والعكس أيضاً صحيح، فلا بد من إتاحة الفرصة الحضارية المتكافئة لنمو قدرات الأفراد العقلية حسب إمكاناتهم وقدراتهم، مع ضرورة تزويد الجميع - على الأقل - بالمعارف الأساسية التي تمكِّنهم من التحصيل العلمي، والاستمرار الدراسي.

المبدأ الثاني: مراعاة الفروق الفردية " التي يتميَّز بها كل إنسان عن غيره من الأفراد، سواء أكانت تلك الصفة جسمية، أم عقلية، أم مزاجية، أم في سلوكه النفسي، أو الاجتماعي "؛ فإن أفراد " البشر لا يخرجون على نمط واحد من مصانع تُنتج بالجملة، وإنما تشيع الفروق بين أفرادهم أكثر مما تشيع بين أفراد أي جنس آخر من المخلوقات، وهذا الاختلاف يشمل الخصائص الجسمانية كما يشمل التكوين الفكري والانفعالي "، وإهمال هذه الفوارق بين الأفراد له أسوأ الأثر على الفرد والمجتمع؛ فقد أثبتت الدراسات أن قدرة الإنسان على التعلم ترجع إلى جودة تكوينه العصبي، ودرجة نموه ونضجه، وأن " الموروثات بما تتضمنه من خصائص خاصة: تطوِّق كل فرد بحدود سلالية يستحيل عليه تجاوزها كائنة ما كانت الأوضاع البيئية ومثيراتها، وكائنة ما كانت الثقافة الشخصية التي يُثقِّف نفسه بها، وكائنة ما كانت درجة تعليمه وتدريبه، وكائناً ما كان التوجيه والإرشاد والحث "، فلا مجال للتَّكلُّف التربوي، والتَّملُّق العقلي لمواهب عقلية مقدَّرة، واستعدادات فطرية محدَّدة؛ وإنما تكون المثالية التربوية في تهيئة البيئة التعليمية الصالحة للوصول بالفرد إلى أعلى درجات الكمال العقلي ضمن قدراته ومواهبه المتاحة، من خلال مراعاة مستواه العقلي ونضجه، ومواهبه واستعداداته، وقدرته على التعلم، وميوله ورغباته العلمية، مع التشجيع الإيجابي المحفِّز للانطلاقة العقلية.

ومن خلال هذين المبدأين يمكن النهوض بقدرات ومواهب الفتيان والفتيات العقلية كأحسن ما يمكن، ضمن طاقاتهم وإمكاناتهم الفطرية المتاحة التي قدَّرها الله تعالى لهم، دون تكلُّف ممجوج يضرُّ بهم.