الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية @ 1ـ أهمية العقل في التصور الإسلامي
العقل في التصور الإسلامي هو " المرشد الأول للإنسان - بعد الدين - يهديه إلى سواء الطريق، وينير له ظلمات الوجود، ويفتح له مغاليق الكون "، وهو الوسيلة المهمة لمعرفة الله تعالى من خلال آثاره وآياته، وهو القوة المدركة التي يميِّز بها المكلَّف بين الخير والشر، والنَّافع والضَّار، والحسن والقبيح؛ بل إن المصلحة التي قام عليها أساس التشريع الإسلامي لا يصل إليها المجتهد إلا بواسطة الجهد العقلي، وليس ثمَّة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني وتكريمه، والاعتزاز به، والاعتماد عليه في فهم النصوص كالعقيدة الإسلامية، فالشرع والعقل مرتبطان، لا يستغني أحدهما عن الآخر، وقد ورد في القرآن الكريم التوجيه باستخدام العقل في: التفكُّر، والتفقُّه، والتعقُّل أكثر من ثمانين مرة، فالعقل لا يُوصف في نفسه ولا في غيره بوصف يحدد حجمه ولا لونه ولا طعمه، ولا شيئاً من ذلك، وإنما يعُرف العقل بفعله وأدائه، مما يدل على المكانة المرموقة للعقل الإنساني في نظام الإسلام التربوي.
ويهدف منهج التربية الإسلامية إلى تكوين العقلية الإسلامية، " التي تتأسس على الإذعان لأمر الله تعالى، وتقوم بإنتاج الأفكار والمفاهيم والمقولات وفق روح الشريعة الغراء، وفي ضوء أدبياتها، وفي إطار ثوابتها وأصولها ".
وقد أفحش الغربيون الخطأ في تعاملهم مع العقل البشري وذلك من جانبين:
الأول: في تعطيل رجال الكنيسة لدوره في الحياة، حتى قال الفيلسوف الفرنسي دينز ديدرو (ت 1784م): " أنا لا أعرف شيئاً فاحشاً وشائناً أكثر من تحمس رجال الاعتقاد ضد العقل، وأن من يسمعهم يفترض أن الناس لا يمكنهم أن يدخلوا إلى حظيرة الإيمان إلا كما يدخل قطيع الماشية إلى حظيرته "، فعطَّلوا بذلك مهمة العقل من هذه الجهة.
الثاني: في تفسيرهم المادي لنشاط الإنسان العقلي بناء على دراسة وتحليل لطبيعة وخصائص السلوك الحيواني، في حين تتعامل النظرية التربوية الإسلامية مع الإنسان على أنه كائن مكرم متفرِّد، خصَّه الله تعالى بسجود الملائكة له، وإعمار الأرض، وزوَّده بوسيلتين لإدراك الحقائق، الأولى: الحواس الخمس التي يشترك فيها مع الحيوان، والثانية: العقل الذي يتفرَّد به عن سائر الدَّواب، فلا يعرف المسلمون " من العقل إلا ما هو مركب في الإنسان خاصة دون سائر الحيوان "، فتعطيله عن دوره في التفكُّر، والتدبُّر، والتحليل، والاستنتاج: هو في الحقيقة إفساد للتفكير السليم، وشلٌّ لعمل الحواس، وهدم لركن من أركان الشخصية الإنسانية المدركة، فإن جمعاً من الدوافع المؤثرة في العملية التربوية مرتبطة عند الإنسان بالنشاط العقلي.