الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأسرية @ 1ـ أهمية التربية الأسرية
الإنسان لا يرث النواحي الاجتماعية والسلوكية كما يرث الاستعدادات والغرائز الفطرية، فهو مدين للمجتمع ووكلائه المربين في اكتساب هذه النواحي السلوكية والأخلاقية، حيث يُولد ساذجاً، ومهيأً لاكتسابها من المجتمع، فهو "يشترك مع الحيوان في حاجات فسيولوجية، غير أن أغلب الحيوانات ليست في حاجة إلى أن تتعلم كيف تُرضي هذه الحاجات، فهي مزودة من خلال الوراثة بالسلوك اللازم لذلك، أما الإنسان فلا بد له أن يتعلم من الآخرين كيف يرضي أغلبها"، ولا يتحقق له ذلك إلا من خلال الأسرة.
كما أن التربية في حد ذاتها: عملية مقصودة يتم فيها التوجيه من أفراد إنسانيين تجاه أفراد آخرين بهدف نموهم السوي، "فليس ثمَّة فرد من بني الإنسان يبقى مستسلماً لحياة بيولوجية خالصة"، لا تأثير للآخر فيها؛ بل لا بد من تفاعل اجتماعي تربوي من أفراد تجاه آخرين، فكما أن التغذية والتناسل والتكاثر ضرورة لبقاء الحياة الفسيولوجية، فإن التربية الأسرية ضرورية لبقاء الحياة الاجتماعية، سواء بسواء.
والتنشئة الاجتماعية كعملية تربوية ممتدة عبر الحياة: تُكسب الفرد مجموعة من القيم والمعايير المحددة التي تكون لديه بنياناً قيمياً يحدد للفرد نوع السلوك المرغوب فيه، وغير المرغوب فيه من وجهة نظر الجماعة، فالعقائد ، والقوانين الاجتماعية، وأنماط السلوك، واللغة، والسلوك الجنسي وغيرها من المفاهيم والتصورات التي تُكوِّن للفرد إطاراً مرجعياً يحدد من خلاله سلوكه الخلقي، ويضبطه عليه: لا يمكن أن تنتقل إلى الفرد إلا من خلال الأسرة؛ فإن نمطها الطبيعي، وبنيتها "يقومان بدور مهم في توجيه الشباب خاصة، والأبناء عامة، الذين ينشأون في كنفها، فهي تحدد لهم، بالنيابة عن المجتمع: القيم التي ينبغي احترامها، والتقاليد التي يجب اتباعها، وتراقب عمليات الامتثال أو التجاوز وتقوِّمها"، فيتشرب العضو في الأسرة هذه المعايير والقيم، ويتربى عليها، ويمارسها؛ ليقوم بدوره في بثِّها من جديد في أسرته الخاصة، فينوب عن المجتمع في هذه المهمة الحيوية المتوارثة.