الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاجتماعية @ 1ـ ضرورة الحياة الاجتماعية لبناء معالم الشخصية الإنسانية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2742
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إن الفرد الإنساني بطبعه اجتماعي، ولا وجود له بذاته دون غيره، فإن الإنسانية لا تُعطى للفرد – ذكراً كان أو أنثى- لمجرد كونه من البشر دون أن يكون نموه ضمن جماعة إنسانية، يقتبس منها حقيقته وطبيعته، فالمعالم الإنسانية التي يتفرَّد بها الكائن البشري عن سائر الحيوان: لا يمكن أن تظهر بعيداً عن الاجتماع الإنساني، فصفاته البشرية، واستمرار وجوده في الحياة: كلاهما مرهون بتفاعله مع الآخرين في وسط جماعي، والإنسان "بعكس الحيوان غرائزه محدودة، والهداية التكوينية لديه لا تستجيب لكل جوانب حياته، ولهذا السبب، ولكي يستمر في الحياة، يحتاج إلى إرث اجتماعي".

كما أن الإبقاء على النموذج المكوِّن لمجتمع ما: لا يتحقق إلا من خلال تربية اجتماعية متوارثة، يمارسها الأفراد المتقدمون تجاه الأفراد الصغار اللاحقين،  فتكون الحاجة الإنسانية متبادلة بين الفرد والجماعة في صورة متوارثة متلاحقة عبر  الأجيال، يقول الإمام الشاطبي ~ٍٍِِ: "فإن الواحد لا يقدر على إصلاح نفسه، والقيام بجميع أهله، فضلاً عن أن يقوم بقبيلته… فجعل الله الخلق خلائف في إقامة الضروريات العامة"، فلا بد للإنسان من وسط اجتماعي يحيا فيه، ويتفاعل مع متغيراته المختلفة.

وكما أن الطبيعة الإنسانية –عند الذكر والأنثى- لا تظهر إلا في المجتمع الإنساني: فإن القدرات والمواهب البيولوجية الموروثة هي الأخرى لا يمكن ظهورها وممارستها إلا من خلال التفاعل الاجتماعي بمتغيراته المتنوعة، ورغم أن الوراثة تشكل عاملاً مهماً في كيان الإنسان، إلا أن البيئة الاجتماعية قد تكون أهم منها، وأعمق في تأثيرها وسيطرتها على الإنسان؛ فإن "جميع الصفات الحيوانية تنتقل بالوراثة، إلا أن إتاحة الفرصة لهذه الصفات حتى تظهر: مسألة تتوقف على البيئة، وكلما كانت الوراثة تنطوي على صفات ممتازة وجيدة: ازداد عامل ملاءمة البيئة أهمية".

إن السلوك الإنساني في جوانبه المختلفة ينتج عن تفاعل عاملين: العامل البيولوجي الموروث، والعامل الاجتماعي التربوي، فعن هذين العاملين، ومن خلال تفاعلهما: يتكون سلوك الإنسان الاجتماعي، فبدون "الفرد البيولوجي لا يمكن أن يكون هناك سلوك، ومن ناحية  أخرى لا يمكن أن يتصف هذا السلوك بالصفة الاجتماعية دون وجود أشخاص آخرين يتفاعل معهم هذا الفرد البيولوجي"، فاللغة –مثلاً- مع كونها استعداداً فطرياً بيولوجياً، وخاصية إنسانية من الدرجة الأولى: إلا أن الفرد مهما بلغت قدراته لا يمكن أن يكتشفها وحده إلا أن يقتبسها من وسط اجتماعي، والضحك أيضاً – الذي يُعد من خصائص الإنسان- مع كونه هو الآخر مرتبطاً باستعداد بيولوجي: إلا أنه لا يحصل إلا في بيئة إنسانية متفاعلة، فالبيئة الاجتماعية هي العامل الأساس الذي يسود كل العوامل الأخرى المؤثرة في السلوك الإنساني، وهي الميدان الوحيد لنمو القدرات والاستعدادات الوراثية عند الإنسان، فملكات الإنسان ومواهبه الموروثة لا تنمو، ولا تظهر إلا في البيئة الاجتماعية.