الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأخلاقية @ 1ـ ارتباط الأخلاق بالدين


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2639
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تكاد تكون دعوة القرآن الكريم كلها دعوة إلى الأخلاق الفردية والاجتماعية، فالأخلاق تحتل قسماً كبيراً، وركناً عظيماً من أركان التربية القرآنية، "فقد ورد في القرآن الكريم ألف وخمسمائة وأربع آيات تتصل بالأخلاق، سواء في جانبها النظري أو في جانبها العملي، وهذا المقدار يمثل ما يقرب من ربع عدد آيات القرآن الكريم" وقد أجمع المربون الإسلاميون على: "أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية"، وأعظم ما يتربى عليه الإنسان من العلوم، وربطوا بين الدين والأخلاق برباط وثيق يُفيد: أن من لا خلق له لا دين له؛ بحيث لا يمكن أن يوجد متدين إلا وهو أخلاقي، ولا يمكن أن يوجد أخلاقي في سلوكه حقيقة إلا وهو متدين"، فإن من المسلَّمات أن الإنسان لا يحيى بغير أخلاق، والأخلاق لا توجد بغير دين؛ ولهذا يُلاحظ ارتباط الأخلاق عند كثير من الشعوب السابقة بالطابع الديني، فالدين والأخلاق: "شيء واحد، فلا دين بغير أخلاق، ولا أخلاق بغير دين".

وعلى الرغم من اضطراب المفاهيم الأخلاقية عند الفلاسفة، وعداء كثير منهم للدين -أياً كان- فإنهم في كثير من الأحيان يعترفون بالرابطة القوية بين الدين والأخلاق، فعلى الرغم من كل العداء الذي عبَّر عنه "دور كايم" تجاه الدين، وسعيه الحثيث لضرورة فصل الأخلاق عنه؛ بحيث تقوم الأخلاق على أفكار ومبادئ يبررها العقل وحده دون الدين، واعتقاده أن بناء الأخلاق على أساس عقلي  يخلصها من التحجر الذي يفرضه الدين عليها، ومع كل هذا يقول معترفاً: "ولكن الواقع… أن الأخلاق والدين قد ارتبطا ارتباطاً وثيقاً منذ أمد بعيد، وظلا طوال قرون عديدة متشابكين، فلم تصبح العلاقات التي تربطهما علاقات خارجية أو ظاهرية، ولم يعد من السهل فصلهما بعملية يسيرة كما نتصور".

ويرى البعض أن الأخلاق لا بد أن تبقى في الجانب النظري دون الجانب السلوكي، بمعنى أن تصبح "ميتاأخلاق أي ما وراء الظواهر السلوكية"، فلا يكون لها واقع في سلوك الفرد، في حين ينظر الإسلام إلى الأخلاق عند الإنسان كميدان تطبيقي للعقيدة، "فلا معنى للعقيدة التي يحملها الفرد إذا لم تجد لها تطبيقاً واقعياً في الحياة" وفي الجانب الآخر فإنه "لا مكان للأخلاق، بدون عقيدة، فالعقيدة تتصل بالأخلاق ذاتها، ومعناها هو: الإيمان بالحقيقة الأخلاقية، كحقيقة قائمة بذاتها، تسمو على الفرد، وتفرض نفسها عليه، بغض  النظر عن أهدافه ومصالحه ورغباته".

إن السلوك الخلقي الفاضل -في التصور الإسلامي- ثمرة من ثمار الإيمان والعقيدة الصحيحة، ويأتي في الأهمية بعد الإيمان بالغيب مباشرة، ويدخل في كل جوانب الحياة وقطاعاتها المختلفة، فيؤثر في النفس انفعالاً يضبط سلوكها، ويوجهه نحو ما ينبغي فعله، وما يجب تركه.

وقد دلَّ البحث الميداني على صدق هذا المفهوم -حتى عند الغربيين- فالطلبة المتدينون من الجنسين أنضج في تعاملهم من غيرهم، وأبلغ في انضباط سلوكهم، والتزامهم الخلقي مما يدل بوضوح على الصلة الوثيقة بين السلوك الخلقي والعقيدة، فإذا أدرك المكلف هذه الأهمية، وهذه الرابطة المحكمة: علم أهمية السلوك الخلقي السوي، وضرورته لإثبات صدق الإيمان.