الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية التعبدية @ 2ـ انسجام المؤمن مع طبيعة الانقياد الكوني
الكون بما فيه من المادة، والروح، والزمان، والمكان، والمحسوسات والمعقولات، كل ذلك خلْق الله تعالى، خلقه سبحانه بإرادته المطلقة، وقَدَرِه وقدْرته دون مثال سابق، أو تسلسل لا بداية له، ووضع له نظاماً محكماً يضبط حركته، ضمن وحدة كونية متناسقة.
وجعل I لهذا الكون -من أكبر أجرامه إلى أصغر كائناته- إدراكاً خاصاً يعرفون به ربهم وخالقهم، ويتوجهون إليه -بحسب نظامهم العباديِّ الخاص- بكل مظاهر التسبيح والتقديس، قال الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ …..} [الإسراء:44] إنها الصورة المتكاملة لنظام الكون المحكم المقهور لربه U ، الذي لا يخرج، ولا يمل من بقائه مذعناً لربه I .
وليس في هذا الكون شيء مُحيِّرٌ ومثير سوى هذا الإنسان، الذي صُنع صنعاً عجيباً؛ حيث استثناه الله- بحكمته- في جانبه الإرادي من النظام القهري الذي انسجم فيه باقي المخلوقات، والتي سُلبت إرادتها باعتذارها عن حمل أمانة التكليف، وحملها الإنسان؛ ليكمل له الاختيار -بكل حرية- بين النهج الحق الفريد، وبين المناهج الباطلة الكثيرة، فجعل الله بقدرته المطلقة منهج المكلفين مستقلاً عن ذاتهم في صورة وحيٍ ينزله على من يشاء من رسله، فيكون للمكلف حرية الاختيار في الأخذ به أو رفضه، في حين جعل منهج باقي الخلائق فطرة وغريزة تأخذ بها دون اختيار فمن أخذ من المكلفين بالنهج الحق كان منسجماً ضمن نظام الكون العام، ومن أعرض عنه كان شاذاً مبغوضاً من كل أعضاء النظام المادي أو الروحي كما قال الله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان:29].
إن إدراك المؤمن لطبيعة الكون على هذا النحو: يبعث في نفسه شروقاً جديداً، بحيث تشعر بالحياة متدفقة في كل جنبات هذا الكون، من أكبر أجرامه إلى أصغر دوابِّه وكائناته، فيشعر بأنس الانسجام التام، الذي صهر كل أجزاء الكون -بأنواعها المختلفة- ضمن نهج العبودية لله تعالى، كل حسب النهج المقرر له: {….. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } [النــور:41] ويدرك أيضاً أن أي مخالفة للمنهج الرباني الذي ارتضاه لعباده إنما هي بمثابة خروج ونشوز عن النظام الكوني العام، ورفض ضمني أو معلن لمبدأ التوافق والانسجام مع الكون.