الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 43ـ وجوب الإيمان بعقيدة القضاء والقدر
معنى القضاء كما قال الخطابي: "الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد واكتسابهم، وصدورها عن تقدير منه، وخَلْق لها خيرها وشرها، أما القدر فهو: "تقدير كل شيء تقديراً مسبقاً على خلقه وحدوثه، أي تحديده ماهية وخاصية وصفة كمَّاً وكيفاً، زماناً ومكاناً".
ولقد اعتبر المولى U الإيمان بالقضاء والقدر ركناً من أركان الإيمان، لا يصح إيمان العبد إلا "أن يعتقد أن الله تعالى خلق أعمال العبد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم… فالإيمان والكفر،والطاعة والمعصية، كلُّها بقضاء الله وقدره، وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة، ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية، وأوعد عليهما العقاب"، والمقصود من أن كلَّ شيء بقضاء وقدر أي: " كل شيء يقع بتقدير الله عند وقوعه ويقع على نحو ما علم الله أنه يقع، وما أراد أن يقع من قبل وقوعه"، فكل ما يجري في الكون -بلا استثناء- كتبه الله قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام، فلا يجري فيه إلا ما أراده سبحانه وقدره من الخير أو الشر، إلا أنه أخبر ببغضه للمعصية والكفر ونهى عنهما، وحُبِّه للطاعة والإيمان وأمر بهما.
هذا الاعتقاد نوع من الابتلاء الرباني للعباد، حيث أوجب عليهم أن يؤمنوا به على هذا النحو، دون محاولة التكهُّن بحقيقته؛ إذ هو "سر من أسرار الله لم يُطلع عليه ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً"، وجعله محكاً لصدق الإيمان؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: (( إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ))، فالإيمان به على هذا النحو ابتلاء للعقل الإنساني، وتأديب له ليقف عند الحد الذي أمر الله تعالى به، دون التَّشوُّف إلى المزيد مما لا تستطيعه طاقة الإنسان العقلية ولا النفسية؛ إذ لو قُدِّر وكُشف للإنسان جانب من القضاء والقدر: لتعطلت طاقته، وفسد معاشه، ولم يعد للحياة معنى تستحق من أجله البقاء.
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام ينهى عن الخوض فيه، ويغضب إذا رأى من يختصم في شأنه، ويقول: (( بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم))، ولما سئل عن ترك العمل والاجتهاد والاعتماد على الكتابة السابقة في علم الله قال: (( لا، اعملوا فكلٌ ميسَّر...))، وقال مرة: ((… انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، والذي نُهيتم عنه فانتهوا))، فلا بد من الإيمان بالقضاء والقدر على النحو الذي أمر الله تعالى، ووضح في كتابه وسنة رسوله r .