الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأسرية للفتاة @ 15ـ الدور الأبوي في ضبط سلوك الفتاة


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 3186
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

أوجب منهج الإسلام على الأب - خاصة - رعاية أسرته، والمحافظة عليها، والإشراف على الزوجات والأولاد، فقال U : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ …..} [التحريم:6]، وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ …..} [التغابن:14]، فالأب مسؤول عن أسرته، وضبط سلوك أعضائها، وله الحق، وعليه الواجب في تولي ذلك بيده - إن احتاج الأمر - مُغِّيراً للخطأ، ومؤدباً لأعضاء الأسرة، فإن أفضل الآباء أنفعهم لعياله، ومن هم تحت يده.

وقد أهَّلَ المولى U الأب جسمياً ونفسياً وعقلياً لهذه المهمة التربوية، فهو أقوى نوعي الإنسان بنْية، وأرسخهما فهماً، وأضبطهما عاطفة، وهو رمز السلطة، وقمة النظام الرئاسي لكل العلاقات الإنسانية؛ فسلطة الضبط والمنع تكون عادة بيده، أكثر مما تكون بيد الأم، وقد أثبتت الدراسات أنه الأنفع لهذا الدور الأسري، بحيث لو تخلى عنه للأم: سبب ذلك خللاً في نفوس الأبناء، وربما كان سبباً لانحرافات خلقية عظيمة، فلكل واحدٍ من الوالدين تأثيره الإيجابي في الأبناء، ولا يُستغنى بأحدهما عن الآخر، فالفتاة في أسرتها تحتاج إلى النضج الرجولي في والدها، كما تحتاج - في الوقت نفسه - إلى النضج الأنثوي في أمها، فيتكامل الدَّوْران، ويحصل الأثر التربوي المنشود من تفاعلهما في الحياة الأسرية.

إن من أعظم أسباب الانحرافات الخلقية المختلفة في الحياة الاجتماعية المعاصرة: فقدان سيطرة الأب الجاد، الذي يشرف بنفسه على انضباط أسرته، ويحافظ عليها من الانهيار، وقد كشف البحث الميداني المعاصر عن وجود ضعف عام في السلطة الأبوية، وأن غياب الأب - على وجه الخصوص - يؤثر سلباً على سلوك أفراد الأسرة، فغالب جرائم النساء عموماً، والفتيات خصوصاً تعود إلى فقدان سلطة الآباء في ضبط سلوكهن، تلك السلطة القوية الصادقة، غير المفتعلة، التي تفرض السلوك الصحيح بصورة مطردة، فتشعر الفتاة في ظلها بالأمن والاستقرار، ولعل هذا الدور التربوي المهم للآباء كان وراء قرار مجلس النواب الفرنسي عام 1915 بالسماح "للنساء بممارسة سلطة الأبوين" فإن المرأة التي تفقد زوجها تقوم في بيتها مع أولادها بدورين، دور الأم في حنانها وعطفها، ودور الأب في قوته وسلطته.

إنه لا يحق لمن لا يستطيع القيام بدور الأبوة على وجهها الصحيح: أن يكون أباً، فإنه لا يوجد عذر، يمكن أن يكون ذريعة للأب في التخلي عن دوره الأسري التربوي، بحيث تكون علاقته ببناته كعلاقتهن بأي رجل من الناس، أو كعلاقة إناث بذكور لا علاقة أب ببناته، فهذا رسول الله r لم تمنعه مشاغل الدعوة، وتربية الناس، وعبادة ربه U عن القيام بدوره التربوي تجاه ابنته فاطمة رضي الله عنها ، فقد كان يراقبها في لباسها وزينتها، حتى إنه نهاها مرة عن سلسلة من ذهب كانت في عنقها، وكان يمر عليها بنفسه بعد انتقالها إلى بيت الزوجية: يُوقظها لصلاة الفجر.

وكذلك الخليفة الراشد أبو بكر الصديق t، كانت مكانته في توجيه أسرته معروفة، لا يخرج أحد عن توجيهاته، فهذه زوجته أم رومان رضي الله عنها تروي جانباً من شخصيته في الأسرة فتقول: "رآني أبو بكر t أميل في الصلاة فزجرني زجرة كدت انصرف من صلاتي…".

إن دور الأب في الأسرة لا ينحصر في مجرد النفقة، بل عليه واجب الإشراف العام والتوجيه، وإشعار الجميع بوجوده وسلطته، بحيث لا يقضى أمر يهم الأسرة إلا كان بعلمه وموافقته، ولا يسلك الأولاد سلوكاً، ولا يتعاطون عملاً إلا كان بعلمه واطلاعه، وهذا لا يعني أن يتفرغ للأولاد كما تفعل الأم، وإنما المقصود إحاطته - في الجملة - بما يجري في أسرته، وبهذا ينتظم بيته، ويتقيد كل فرد فيه بما يجب عليه، وتشعر الفتاة بسلطان أبيها، فتسكن نفسها لذلك، وينضبط سلوكها، ويذهب عنها القلق الذي يعتري - عادة- الفتاة التي لا تعيش تحت سلطة ضابطة.