الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأسرية للفتاة @ 14ـ إحسان الفتاة إلى الخدم
يشهد الواقع المعاصر بتوسع البلاد الغنية - بصفة خاصة - في جلب الخدم إلى البيوت بهدف معاونة ربة البيت، والقيام ببعض الأعمال التي يعجز عنها ربُّ الأسرة في خارج المنزل، حيث بلغ عدد الخدم الذين يمتهنون هذه المهنة في منطقة الخليج نحواً من نصف مليون خادم وخادمة، من أصل خمسة ملايين عامل متغرب في المنطقة.
وهذه الأعداد الهائلة تأتي محمَّلة في الغالب بعقائدها، وتراثها، وثقافتها إلى المنطقة العربية، فتؤثر في كثير من أبنائها، خاصة إذا عُلم أن غالبهم من غير المسلمين، ويحملون كثيراً من العقائد المنحرفة، والسلوكيات الخلقية المنافية لأبسط مبادئ القيم، والآداب الاجتماعية التي يؤمن بها أبناء المنطقة الإسلامية، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن للعمالة الوافدة من الخدم دوراً كبيراً في وقوع الشباب في الإدمان، كما أثبت العديد من الدراسات: "أن النساء المهاجرات يحاولن دائماً المحافظة على العناصر الثقافية والقيم الخاصة بمجتمعاتهن الأصلية أثناء قيامهن بأدوار أو وظائف جديدة في بلد المهجر".
وتكمن الخطورة في قيام هؤلاء النساء الأجنبيات على شؤون الأطفال، والإشراف على التربية، حيث ثبت تأثر الأطفال بهن، وتقليدهم إياهن في كثير من سلوكياتهن ولهجاتهن، فتنشأ الفتاة منذ نعومة أظفارها على يد خادمة غير مسلمة، وتتكون بينهما علاقة حميمة، يصعب على الوالدين هدمها أو حتى التخفيف منها، خاصة إذا كانت الخادمة في سن قريبة من سن الفتاة، فقد دلت بعض الدراسات أن الثلثين منهن تقل أعمارهن عن العشرين، مما يجعل احتمال التوافق والتآخي بين الخادمة والفتاة أمراً محتملاً غير بعيد.
ولا يفهم مما تقدم حُرمة استخدام الخادمة؛ فإن الأمر في الأصل على الإباحة، ما دامت الضوابط الشرعية قائمة؛ إذ لا يحق لرب الأسرة أن يجلب إلى بيته من يظنُّ فسادها من الخادمات، خاصة إذا علم أن المرأة الخادمة أقرب النساء العاملات إلى الجريمة، كما أنه لا يحق لأحد في الأسرة - إذا أمنوا ضررها عليهم - إهانتها، أو شتمها، أو ضربها بغير حق، أو تكليفها من العمل مالا تطيق، مع وجوب الإحسان إليها في كسوتها، وطعامها، والعفو عنها عند الخطأ الذي لا ينفك عنه البشر عادة، فقد قال عليه الصلاة والسلام مبيناً حق الخادم:(…. هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم).
وإن من أعظم الإحسان إلى الخادمات في البيوت: دعوتهن إلى الخير والإسلام إذا كن غير مسلمات، أو حثَّهن على التقيد بالدين، وآدابه إن كن مسلمات، فإن هذه أعظم مظاهر الإحسان التي يمكن أن تقوم بها الفتاة المسلمة تجاه الخادمة بعد أن تكون قد تحصنت من سلبياتها، وما يمكن أن تلحقه بها من ضرر خلقي أو عقائدي.
كما ينبغي للفتاة ألا تتأثر بالسلبية والاتكالية بسبب وجود الخادمة، فلا تشارك في أعمال المنزل وخدماته، وتُحمِّل الخادمة كثيراً من المهمات السهلة التي يمكن أن تقوم بها، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن وجود الخادمة يحرم الفتيات من التدريب المبكر على شؤون المنزل، ويسوقهن إلى الاستنكاف عن القيام بواجبات الخدمة الأسرية، فلا بد من مراعاة الفتاة لهذه السلبيات وتجنبها.
وأما الخدم من الذكور فإنهم في التصور الإسلامي أحرار، وأجانب بالنسبة للفتاة، فإن الخادم المملوك قد انتهى في هذا العصر، فلا يحق لها أن تتكشف عليهم، أو أن تُظهر زينتها لهم، أو أن تخلو بأحدهم، ولو كان في سيارة لغير حاجة ملحة؛ فإن في هذا فساداً عظيماً، والواجب عليها أن تقتصر في معاملتها معهم على الكلام عند الحاجة إلى ذلك، دون الخضوع بالقول، فهم رجال يميلون بطبعهم إلى الإناث، وامتهان مهنة الخادم، أو السائق لا تُقلل من طباع الذكور شيئاً، بل إن الاحتكاك بالفتيات، والحديث الطويل معهن ربما أثارهم، فوقع منهم ما لا تُحمد عقباه، خاصة إذا عُلم أن غالب هؤلاء من الشباب العزاب المتغربين عن أوطانهم؛ لذا فإن أفضل إحسان تُسْديه الفتاة إلى أحدهم: ألا تكون بشخصها عنصراً مثيراً له، حيث تحمي سمعه وبصره من الإثارة العاطفية بحسن سمتها، وتحفُّظها في سلوكها وكلامها.