الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأخلاقية للفتاة @ 17ـ ضبط سلوك الفتاة الانفعالي


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 3648
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

الانفعال هو التأثر، ويختلف عن العاطفة في كونه خبرة نفسية مفاجئة وطارئة تزول بزوال سببها، في حين تكون صفتا الدوام والثبات لازمتين للعاطفة، كما أن أثر الانفعال يصعب إخفاؤه عن الغير، في حين يمكن إخفاء العواطف؛ وذلك لأن الانفعال يُنشئُهُ الجهاز العصبي الذي يعمل بصورة مستقلة عن إرادة الإنسان وتدبيره، إلا أنه مع ذلك يمكنه –بالمران – ضبطه وتوجيهه.

والانفعالات من الخبرات الضرورية للسلوك الإنساني، فهي المنبع الخصب والدافع الثري للقيام بالأعمال، والنشاطات الإنسانية المختلفة؛ فالفكر – مثلاً – "لا يحدث إلا إذا استلزمته حالة انفعالية خاصة، يمر بها الإنسان أثناء مواجهته مشكلة ما يتحتم عليه حلها"، والنساء في العموم أحوج إلى الانفعالات للقيام بدور الرعاية الأسرية التي يتعين لها طاقة انفعالية كبيرة، ولهذا تأتي مشكلة النضج الانفعالي عند الإناث "في قمة قائمة المشكلات النفسية، حيث تتصف الفتيات بشدة القابلية للانفعال، مثل: سرعة البكاء، والثورة دون سبب ظاهر، والعناد، وحدة الطبع والمزاج… وكلها أعراض يسببها تعثر عملية النضج الانفعالي عندهن".

وتعتبر القوى الانفعالية أساس نفسية الأنثى، وبيئتها العادية التي تحيا فيها، فأقل المؤثرات أو المنبهات تثيرها، يقول أحد علماء النفس: "إن النساء يستجبن انفعالياً لمؤثرات أضعف بكثير من التي يستجيب لها الرجال"، ويقول آخر: "رأيت الحب والغيرة والبغض والأوهام والغضب تصل عند النساء إلى درجة لا يشعر بها الرجال مطلقاً"، ويقول أبو عثمان الجاحظ: "ليس بعد الصبيان اغْزَرُ دمعة من النساء"، فهنَّ – في العموم – أكثر حدَّة في التعبير عن مشاعرهن، وعواطفهن المختلفة؛ ولعل ذلك لأن حياتهن الانفعالية أرهف وأثرى، وأحفل بألوان الشعور، من الذكور؛ فإن "الفروق بين الجنسين في الحالات الانفعالية أمر لا يمكن إنكاره، سواء أكانت هذه تحددها عوامل بيئية أم بيولوجية"، ومن الصعوبة بمكان تصور إمكانية انفلات العنصر النسائي من الطبيعة الانفعالية في الحياة الاجتماعية – كبيرات كنَّ أو صغيرات – خاصة من كانت منهن "ذات نمط جهازٍ عصبي مركزي ضعيف، حيث تقع فريسة للعوامل الإيحائية الخارجية في كثير من المواقف، ولأبسط التعليقات".

وتكاد تجمع الدراسات على ازدهار الطبيعة الانفعالية، وتنوع ألوانها عند الإناث بما يفوق ذلك عند الذكور، لاسيما في الفترات الفسيولوجية التي يتعرضن لها خلال الدورة الشهرية، وفترة الحمل، وسن اليأس.

وقد سجَّلت السيرة النبوية العطرة مجموعة واسعة من المواقف النسائية الانفعالية، التي تدل على طبيعة الشعور الانفعالي عندهن في مختلف طبقات أعمارهن، فهذه – الفتاة الصغيرة – عائشة رضي الله عنها يمتلكها الشعور الغضبي  من خير خلق الله تعالى، فتعبر عن انفعالها بهجران اسمه عليه الصلاة والسلام، وزينب بنت جحش رضي الله عنها -وهي امرأة في منتصف عمرها- تعتريها عاطفة الغيرة، لما طلب منها رسول الله r بعيراً لضرتها صفية بنت حيي رضي الله عنها ، فانفعلت قائلة: "أتعمد إلى بعيري فتعطيه اليهودية…" وكذلك أم أيمن رضي الله عنها ، وهي المرأة الكبيرة السِّن تتذمَّر وتصخب على رسول الله r لما لم يقبل ضيافتها، ويشرب من شرابها.

هذه المواقف وغيرها كثير: تدل على أن الأنثى في الغالب مهما بلغت من التربية والتهذيب –حتى في عصر النبوة- فإنها لا تنفك عن طبعها الانفعالي، ولا تخرج عن كيانها المفعم بالمشاعر المتحركة التي تعطيها تميُّزها وخصوصيتها، فهو سلوك طبيعي في العموم، إلا أن في شدته وزيادته عن الحد الطبيعي للأنثى: خطورة صحية، فإن التعبيرات الجسمية تتأثر بمشاعر الإنسان وانفعالاته، وتؤثر على نشاطه الفسيولوجي؛ فالانفعال الغضبي – الذي عبَّر رسول الله r عن أثره في الجسم بالجمرة المشتعلة، والذي يظهر عند النساء – في كثير من الأحيان – مصحوباً بانفجارات انفعالية وعدوانية، فإنه يؤثر على القدرات العقلية فيعطِّلها، ويفرز معه هرمونات خاصة: ترتفع بها كمية السكر في الدم، وتتَّسع معها الأوعية الدموية في الجسم، فيحصل من جراء هذا الانفعال الغضبي الحاد تأثيرات جسمية سيئة، قد تصل إلى الانهيار العصبي، وفقدان الوعي، وفي الجانب الآخر فإن "الانفعالات الإيجابية مثل السرور والتفاؤل والطمأنينة إذا استمرت فترة طويلة من الزمن فإنها تؤدي إلى السمنة، وتقلل من إفراز الفوسفات وكلوريد الصوديوم في الجسم"، فتتأثر الصحة الجسمية تبعاً لذلك، يقول ابن الجوزي ~ٍٍِِ عن خطورة نوعي الانفعالات الحادة: الإيجابية منها والسلبية: "الغم يجمد الدم، والسرور يلهب الدم حتى تعلو حرارته الغريزية، وكلاهما يضران، وربما قتلا إن لم نُعجِّل تفتيرهما"، فكلا طرفي حالتي الانفعال المتطرفة لا تخدم صحة الفتاة بل تضرُّ بها.

ومن هنا: تظهر أهمية تربية الفتيات على الاتزان الانفعالي بحيث يستفدن من إيجابياته، وآثاره الدافعة للقيام بالدور المناط بهن، ويتجنبن الآثار السلبية المضرة الناجمة عن الاسترسال في السلوك الانفعالي، الذي قد يصل بهن إلى درجة الإغلاق المذمومة، المضرة بالصحة العامة.