الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأخلاقية للفتاة @ 15ـ تشرب الفتاة بخلق الرحمة
الرحمة تعني: "الرقة والتعطف"، والشفقة والحنان، وهي من أصول الأخلاق وكلياتها الكبرى، التي يحتاجها بنو البشر في تعاملهم الاجتماعي، والرحمة تتضمن مشاركة الآخرين في مثل آلامهم ومسراتهم، بحيث إذا لم يتمكن الشخص الرحيم من إظهار خلق الرحمة – لمانع ما – فإنه يشعر بألم جسمي ونفسي، كالأم التي يحتاج ولدها للرضاعة، فيمنعها عن رضاعه مانع ، فإنها تشعر بألم في نفسها لعدم الاستجابة لوليدها، وألم في جسمها بسبب احتقان اللبن في ثدييها.
وقد وسَّع الإسلام مفهوم الرحمة وممارستها ليشمل كل نشاط الإنسان ضمن متغيرات الحياة المختلفة ، فشمل تعامله مع نفسه بأن يرحمها كما قال الله تعالى: {... وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29] واستوعب بالرحمة جوانب التعامل مع الآخرين، حتى جعل عزل الأذى عن الطريق من أوسع أبواب الأجر والثواب، وما ذلك الأجر العظيم الذي يناله المسلم لمجرد رفع الأذى من حجر أو شوك أو نحو ذلك؛ "ولكن بتلك الرحمة التي عمَّ بها المسلمين فشكر الله له عطفه ورأفته بهم".
وقد وصل الترغيب في خلق الرحمة ليشمل حتى الحيوان، فيقول عليه الصلاة والسلام:(في كل كبد رطبة أجر), بحيث يتسع – في التصور الإسلامي – مفهوم الرحمة لينتظم الوجود كله، ويصل إلى كل كائن حي مستحق لها، ويضيق مفهوم القسوة والغلظة عن غير المستحق لها حتى يصل إلى غضب الله تعالى على من عذَّب هرة.
وعنصر الإناث في الأحياء عموماً ألصق بخلق الرحمة وآثارها من عنصر الذكور، وعند أنثى الإنسان هو أسمى ما يمكن أن يصل إليه خلق الرحمة عند الخلق، ورغم هذا فإنه قد يشذ بعض النساء عن هذه الصفة الأصيلة فيهن حتى في المجتمعات الراقية المستقرة، فيخرجن في بعض الأحيان عن طبعهن إلى سلوك قاس تأباه الأنثى السوية، كما حصل في زمن النبي r، وما بعده من تورُّط بعضهن في سلوك إجرامي، مخالف لخلق الرحمة، إلا أن هذه المظاهر لا تعدو أن تكون مواقف فردية ، وظواهر شاذة لمجتمعات مثالية.
أما في العصر الحديث وبسبب التطورات الاجتماعية الكبيرة، والتقدم التقني، وكثرة احتكاك النساء بالرجال ، وتبدل كثير من القيم والأخلاق المتعارف عليها: كثُر إجرام النساء والفتيات، وأصبح في ازدياد مستمر، ولم تعد هناك جرائم خاصة بالرجال، وأخرى خاصة بالنساء – كما كان الحال من قبل – لتداخل وتشابك أدوار الجنسين الاجتماعية، مما نجم عنه تغيُّرات اجتماعية ونفسية وتربوية كبيرة، تستدعي إعادة النظر في الواقع التربوي للمرأة – والفتاة على الخصوص- وتأهيلهن من جديد للثبات على خلق الرحمة الذي فُطرن عليه، فإن مشكلتهن في الغالب تربوية أكثر منها فطرية، فإن "غالبية علماء الإجرام يرون أن الوجه الغالب لانحراف القاصرات بوجه خاص، ولإجرام المرأة بوجه عام يكمن في البيئة الاجتماعية، ولا يرجع إلا في حالات قليلة للتكوين البيولوجي عند الفتيات المنحرفات"، مما يعطي لمنهج التربية أهمية كبرى في إثارة خلق الرحمة في نفوس الفتيات، وسهولة تنميته فيهن من جديد، لكونه خُلُقاً فطريّ التكوين، "إلا أن شأن هذا الخلق كشأن كل الكمالات الفطرية القابلة للتهذيب والتقويم والتنمية والترقية، والقابلة – في الجانب الآخر – للتشويه والإفساد والتدني والضمور"، فلا يعدو هذا النوع من الانحرافات عند الفتيات سوى ضمور في خلق الرحمة، وكمون لمظاهره من الشفقة والحنان والعطف، يحتاج إلى صقل، وتنمية من جديد.