الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأخلاقية للفتاة @ 14ـ تحلي الفتاة بالسُّلوك الأدبي
ويقصد بالسلوك الأدبي: كل خلق محمود أو فضيلة من الفضائل تصدر عن الإنسان، فإنه يقع عليها وصف الأدب، وهو من السلوك الذي حثَّ عليه الإسلام، وأمر بتربية النشء على معانيه، فقد رُوي عن رسول الله r أنه قال:(لأن يؤدِّب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع), وروي عنه أيضاً أنه قال:(ما نَحَل والدٌ ولدًا من نحل أفضل من أدب حسن), ونقل عنه أيضاً أنه قال:(أكرموا أولادكم ، وأحسنوا أدبهم), وأمر عليه الصلاة والسلام باتخاذ الوسائل التربوية المختلفة لتحقيق هذا السلوك في النشء حتى وإن كان من خلال العقوبة البدنية، فقد ورد عنه أنه قال:( … أنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله).
وخصَّ عليه الصلاة والسلام بالتأديب الفتيات، فقال:(من عال ثلاث بنات فأدبهن، وزوجهن، وأحسن إليهن: فله الجنة), وشمل توجيهه بالتأديب حتى الإماء المملوكات فقال:(ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين … رجل كانت له أمة، فغذاها فأحسن غذاءَها، ثم أدَّبها فأحسن أدبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران), ولما رغَّب في نكاح الأبكار، رخَّص لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الزواج من ثيب عاقلة بهدف تأديب أخواته الصغيرات ورعايتهن.
كما خصَّ عليه الصلاة والسلام في مواقف متعددة، بمزيد توجيه أدبي، فهذه أم غادية رضي الله عنها تقول فيما رُوي عنها:(خرجت مع رهط من قومي إلى النبي r ، فلما أردت الانصراف قلت: يا رسول الله أوصني، قال: إياك وما يسوء الأذن), ولما سألته أم رعلة القشيرية عما يقرِّبها من الجنة قال لها فيما ذكر عنه r :(عليكن بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، وغض البصر، وخفض الصوت), ولما زعمت إحداهن أنها صائمة، وكان في لسانها بذاءة قال لها مؤدباً – فيما رُوي عنه – ما "صمت" .
هذه المواقف من السيرة النبوية تدل على أهمية السلوك الآدبي للمسلم عموماً، وضرورته الملحة في حق الفتاة المسلمة، وأنها ما دامت متأدبة بأدب الشرع في سلوكها فهي على خير كثير، حتى وإن كانت ناقصة الجمال، "فالأدب للمرأة يُغني عن الجمال، ولكن الجمال لا يغني عن الأدب، لأنه عرض زائل"، وقد قيل في الحكمة: "لا شرف مع سوء الأدب" وقالت هند بنت المهلب زوجة الحجاج بن يوسف لما ذُكر عندها جمال المرأة: "ما تحلين النساء بحلية أحسن عليهن من لب ظاهر، تحته أدب كامل"، وهذا – في الحقيقة – أعلى درجات الكمال النِّسوي، بحيث تجمع المرأة بين سلامة الظاهر بحسن الخلْقة، وجمال الباطن بحسن الأدب، فتملك يدها عن ردئ الفعل، ولسانها عن قبيح القول من البذاءة، والطعن، واللعن، فلا يصدر عنها الكلام إلا بالتثبت والتأمل، وحتى الضحك فإنها تقلل منه؛ لأنه ينافي كمال الأدب ويضر بالقلب ، فقد جاء عن رسول الله r أنه قال:(لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب), والفتاة العاقلة تسعى في سلوكها الأدبي أن تحذو حذو الصالحات من نساء السلف، وتتأدب بآدابهن وتنهج على طريقتهن.
ولا شك أن التزام الأدب في السلوك ،وأخذ النفس بالتأديب والتهذيب فيه نوع من المشقَّة، إلا أنها مشقة معتادة، ومألوفة في ميدان التربية، وقد تكون في حق الفتاة التي كَمُلَ بناؤها الجسمي والعقلي: أقل مشقة؛ وذلك لتوجه طبعها بالفطرة في هذه السن نحو مسلك الأدب، فتحلو ألفاظها، ويعذُب كلامها، ويحدث عندها شيء من الدَّلال، فلو تعاضدت التربية بأسالبيها المختلفة مع هذه الذخيرة الفطرية الطبيعية في كيان الفتاة: سَهُلَ – إلى حد كبير – تهذيب الفتيات، وإلزامهن بأدب السلوك، في أنفسهن، وفي تعاملهن الاجتماعي.