الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 41ـ إدراك المؤمن حقيقة الحياة الدنيا
لقد وصف الله تعالى الحياة الدنيا بأوصاف منفِّرة وحذَّر من الركون إليها، والانشغال بها عن الآخرة، فقال U : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود:15-16]، ووصفها سبحانه بأنها لا تعدو أن تكون متاعاً زائلاً، فقال حاكياً عن العبد الصالح: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39]، وقال عليُّ بن أبي طالب t واصفاً حال الناس فيها: "أهل الدنيا أهل سفر لا يَحُلُّونَ عَقْدَ رحالهم إلا في غيرها".
إن استشعار زوال الحياة الدنيا وفنائها، وانقلاب الناس إلى دار أخرى كاملة مستقرة: يبعث الرهبة من الله تعالى، ويقلل الركون إلى الدنيا، ويخفف من أحزانها، وآلامها، ومصائبها، ويفتح للنفس البشرية المؤمنة باباً واسعاً من الأمل، ومنفذاً رحباً إلى الخلود الذي تستشرفه النفس البشرية وتتطلع إليه، "فالإيمان بالآخرة … هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيوية، وعلى امتلاء بالحياة لا يقف عند حدود الأرض؛ بل يتجاوزها إلى البقاء الطليق، الذي لا يعلم مداه إلا الله، وإلى المرتقى السامي الذي يتجه صعداً إلى جوار الله".
إن هذا الاستشعار لحقيقة الحياة الدنيا يحمل في طياته أثرين عظيمين أحدهما: الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها، والآخر: الانطلاق نحو رحاب الآخرة الواسعة بحيوية ونشاط.