الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 37ـ الأهمية التربوية للإيمان باليوم الآخر


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2285
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يُعد الإيمان بالغيب حاجة إنسانية أصيلة، ترافق الإنسان عبر جميع أطوار تاريخه، ومع كل أنواع تطوره وتقدمه، فلا يزال يشعر بحاجته الملحة إلى تلمُّس عالم الغيب، والاسترشاد به.

واليوم الآخر جزء من عالم الغيب المحجوب عن الإنسان، الذي ما برح يسعى لاكتشافه، ومعرفة كنهه بوسائل شتَّى، ولما كان دين الإسلام دين الفطرة السوية: وصف المولى U من خلال الوحي صورة حية لبعض جوانب من عالم الغيب، وأحداث اليوم الآخر: تُشبع نهم المتطلِّع إلى ذلك العالم، وتسدُّ جانباً من حاجته إلى المعرفة الغيبية.

ولقد ابتلى الله U عباده بالإيمان بأن لهذا العالم المحسوس يوماً ينتهي إليه أجله، وتنحل تراكيبه، وينتقض نظامه، ثم يعقب الله ذلك اليوم بالبعث، حيث يُعيد فيه بقدرته "الرُّفات من أبدان الأموات، ويجمع ما تفرق منها في البحار وبطون السباع وغيرها، حتى تصير إلى هيئتها الأولى، ثم يجمعها حية، فيقوم الناس كلهم بأمر الله تعالى أحياءً، صغيرهم وكبيرهم".

فالإيمان بهذه العقيدة من التكاليف الربانية، وإنكارها: من أعظم أنواع الكفر، كما قال I : {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف:147]، وقال أيضاً: {وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء:10].

وتظهر أهمية الإيمان باليوم الآخر أيضاً في كونه مصير كل حي، بحيث لا يفر منه مكلَّف، بمعنى أنه مصير الإنسان المحتوم الذي لا بد من حصوله، كما قال الله تعالى: {اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، وقال U : {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40]، وقال أيضاً: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [غافر:59] فاليوم الآخر قضاء محتوم، لا بد من وقوعه على الوصف الذي أشار إليه المولى U في كتابه في مواضع كثيرة، وهذا يستوجب الإعداد له بما يناسبه، من الإيمان والعمل الصالح.

ومن فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهذا اليوم - قبل وقوعه- أمارات وعلامات يُعرف بها قربه، منها: خروج الدُّخان، ونزول عيسى بن مريم، وظهور الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، وهناك علامات أخرى تسبق هذه مثل: تطاول الرعاء في البنيان، وانحسار الفرات عن جبل من ذهب، وولادة الأمة ربَّتها وغيرها من العلامات التي تنذر بوقوع ذلك اليوم العظيم، وتهييء البشر للقاء ربهم.

ثم إن وقوع اليوم الآخر، وبعث الخلائق للحساب هو ما تقتضيه الحكمة من تكليف العباد؛ فلولا المعاد لبطل مبدأ التكليف، فالنفس لا تقوم بالأعمال الشاقة إلا إذا صحب تكليف القيام بها شيء من الوعد والوعيد.

كما أن طبيعة المصير الذي يصير إليه الإنسان من أعظم ما يُفرِّق بين الإنسان والحيوان، "ونكران هذا المصير معناه هدم كل تدرج بين الكائنات"، فتميُّز الإنسان عن باقي الخلائق، يقتضي تميُّزاً في مصيره من حيث هو كائن متفرِّد، كما أنَّ مقتضى الحكمة الإلهية، والعدل الرباني يأبى كل تصوُّر يغفل مَعَاد الإنسان، ويعتبره طعناً في مبدأ الحكمة الإلهية، كما قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115-116]، فينزِّه الله تعالى أفعاله المُحْكمة عن العبث الذي يقتضيه خلْقُ الإنسان دون تكليف وحساب.

وقد أدرك ضرورة المعاد أحد الغربيين ممن كان ملحداً؛ فقد قال: "وثبت لي … بل كحقيقة علمية أن الإنسان يحيا بعد القبر، وأن هذا العالم بكل مِحَنِه ومتاعبه مجرد فصل للأطفال…" ويقول الفيلسوف إيمانويل (ت1804م): "….إن هذه الحياة ليست إلا جزءاً من حياة، وأن هذا الحلم الدنيوي ليس إلا مقدمة لميلاد جديد، وبعث جديد…".

فإذا كان هؤلاء الفقراء من الوحي الرباني الصادق يوقنون بالمَعَاد، فإن المسلم المهتدي بالوحي المبارك يسهل عليه إدراك ضرورة اليوم الآخر وأهميته لقيام مبدأ التكليف.