الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 29ـ أهمية الإيمان بالرسل من الوجهة التربوية


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2929
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

الإيمان بالرسل يمثل الركن الرابع من أركان الإيمان، وهو مدار قضية الإيمان بكلِّيتها بالنسبة للبشر؛ إذ ليس لهم طريق إلى المعرفة بباقي الأركان إلا من خلال الرسل عليهم السلام والإيمان بهم يستلزم: "التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبد من دونه، وأن جميعهم صادقون مُصدَّقون… وأنهم بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به".

ولا يتصور -من الوجهة العقلية- أن يخلق الله الخلق، ويميَّز الإنسان بالعقل والحرية عن سائر مخلوقاته، ثم يتركه سدًى بغير تكليف، كما قال I : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] ولما كان عجز الإنسان تاماً عن الوصول إلى الحق بنفسه، فإن بعثة الرسل تصبح في حقِّه ضرورة، وحاجة ملحة؛ "بل هي فوق كل حاجة، فليس العالم إلى شيء أحوج منهم إلى المرسلين" حتى وإن أدرك الإنسان بعقله جانباً من الحسن والقبيح في أمور الحياة الدنيا، فأنَّى له أن يدرك -ولو طرفاً يسيراً- عن عالم الغيب المحجوب عنه، بل حتى لو أدرك بفطرته وجود الله تعالى، فكيف يصل إلى تفصيلات عالم الغيب الضرورية للمعرفة الإنسانية، وكيف يستطيع بغير واسطة الرسل أن يعرف مرادات الله من عبيده، وما ألزمهم به من التكاليف.

إن العقل البشري -مهما بلغ- لا يكفي للهداية، ولا للنجاة يوم القيامة، فحاجة الخلق للرسل لعلاج أرواحهم، كحاجتهم إلى الأطباء لعلاج أبدانهم؛ بل حاجتهم إليهم أشد من ذلك وأعظم.

وما زال المولى U يكلأ البشر منذ آدم u ببعثة الرسل للهداية والإرشاد حتى بلغوا أربعة وعشرين ومائة ألف نبيٍّ ورسول، كما رُوي ذلك عن رسول الله r، ويخطئ من يظن: أن رسالات السماء جاءت متأخرة بعد سنوات طويلة من حياة الإنسان على الأرض دون هداية ربانية، فقد قال U : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ..} [يونس:47]، وقال أيضاً: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً …} [النحل:36]، فقد ارتبطت حياة الإنسان على هذه الأرض من أول النشأة ببعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام.

ثم إن الابتلاء سنة الله في عباده من المكلفين، وعليه تُبنى مسألتا الثواب والعقاب، ولولا بعثة الرسل لبطل الاختبار، وما ظهر المؤمن الصادق، من المنافق والكافر، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [إبراهيم:4]، وقال I أيضاً: {… وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]، وقال أيضاً: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ….} [القصص:59]، فعلَّق I العقوبة بعد حصول الابتلاء بتبليغ الرسل، فمن آمن نجا، ومن كذب هلك.

إضافة إلى ما تقدم فإن من مهمات الرسل تعليم المؤمنين وتربيتهم، فإنه إذا حصل من الرسل عليهم السلام البلاغ والإرشاد، وإقامة الحجة على أقوامهم، فإن الفئة المؤمنة من حقِّها أن تتعلم، وتتربى على يد هؤلاء الرسل، فهم المصدر الوحيد لعلوم الغيب، وأنواع التكاليف، وقد أشار الصحابي الجليل أبو ذر إلى هذه المسألة المهمة في سيرة رسول الله r فقال: "تركنا رسول الله r وما طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا فيه علماً"، بمعنى أنه عليه السلام كان يقوم بالتعليم على أوسع نطاق، ومعلوم أن علوم الرسل هي أفضل وأعظم العلوم على الإطلاق، وأيُّ علوم غيبية تحصل بغير طريق الرسل فهي علوم مشوشة أو مكذوبة.

إن التربية بمعنى التزكية من مسؤوليات الرسل فقد أشار إليها المولى U بقوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ..} [الجمعة:2]، فالتزكية تحتاج إلى أسباب التربية المختلفة التي يمارسها الرسول مع قومه، وأهمها القدوة العملية في بيان نموذج الشخصية المؤمنة المتمثلة في شخص الرسول المبعوث، كما قال I : {… وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ … } [النحل:44]، فالإنسان رغم قواه العقلية، ودوافعه المختلفة "بحاجة إلى وجود أفراد إنسانيين مختارين يصطفيهم الله لعباده، ويرعاهم بحكمته ويزودهم برسالته ليكونوا للإنسان مرشدين ومعلمين ومذكرين"، فالرسول مع المؤمنين يقوم بعمليتين تعتبران ركني الإيمان: الأولى: التعليم من خلال إيصال المعرفة الغيبية إليهم، والثانية: التربية -بوسائلها المختلفة- على التصديق بهذه العلوم بالقول والعمل، وهذه تُعد من أعظم مهام الرسل عليهم الصلاة والسلام.