الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 28ـ ضرورة تقيد المكلف بوحدة الأمة التشريعية مع احترام اجتهادات العلماء


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 1759
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

من آثار الإيمان بالكتاب التزام المكلف بوحدة الأمة التشريعية المتمثلة في الإجماع الذي ترتبط به الأمة بعضها ببعض، من خلال اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد r على أمر من الأمور الدينية، في أي عصر من العصور، في وقت نزول الحادثة . فإذا وقع منهم الإجماع، وعلمه الناس، وجب عليهم جميعاً الإذعان، والانقياد ظاهراً بامتثال الأمر وتطبيقه، وباطناً بالاعتقاد به، فليس لأحد من العامة أن يخرج عن الإجماع؛ لأنه من حجج الله على عباده، ولا يمكن بحال تصور وقوع الخطأ فيه، بحيث لا تجمتع الأمة على غير الصواب، فالأمة الإسلامية معصومة من هذه الجهة، بوعد رسول الله r حيث قال: ((لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبداً، ويد الله على الجماعة هكذا فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار)) .

وقد اعتبر كثير من العلماء الخارج على الإجماع بعد العلم به كافراً، خارجاً عن ملة الإسلام، معتبرين الإجماع "المصدر الاجتهادي الوحيد الذي يترتب على إنكاره بعد ثبوته إخراج المُنْكر من ربقة الإسلام عند معظم الأصوليين؛ وذلك لأن مخالفته عندهم بمثابة مخالفة أمر معلوم من الدين بالضرورة"، مستشهدين في ذلك بقول الله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء :115] ويتصل الإجماع بالكتاب من جهة "سند الإجماع" إذ لا يُتصور وقوع الإجماع على غير سند شرعي: من نص متواتر، أو أمر معلوم من الدين بالضرورة، أو أمارة، أو دلالة يمكن الاستناد عليها في تبني الحكم الشرعي.

ومن هنا كان احترام إجماع الأمة، رمزاً من رموز وحدتها، وترابطها عبر الأجيال المتلاحقة، حتى آخر الدهر، وأثراً من آثار الإيمان بالكتاب المُمَثَّل في سند الإجماع.

وكما أن الالتزام بوحدة الأمة التشريعية -المتمثلة في الاختيار الإجماعي- فرض من الفروض الربانية، لا يجوز التفريط فيه؛ لارتباطه بالكتاب، فإن احترام اجتهادات الفقهاء - لكونها مرتبطة أيضاً بالكتاب غالباً - أمر واجب، إلا أن هذه الاجتهادات الفردية لا ترقى في إلزامها للأمة إلى درجة الإجماع؛ لكونها تحصل عادة في المسائل التي ليس عليها دليل قاطع، فتتباين فيها وجهات النظر، ومذاهب الفقهاء، ويكون موقف المكلف منها -والعامة عموماً- التقليد لبعض العلماء دون بعض، فقد أجمع العلماء على جواز التقليد للعامي، إلا من كان من أهل الاجتهاد، من أصحاب الآلة العلمية، فلا يصح منه التقليد إلا لضرورة.

وتظهر أيضاً علاقة اجتهادات الفقهاء، بالإيمان بالكتاب من جهة تعريف الأصوليين للاجتهاد بأنه: "استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يُحِسُّ من النفس العجز عن المزيد فيه"، حيث يظهر من التعريف تعلُّق الاجتهاد بالأحكام الشرعية التي يمثلها الكتاب، فالخروج عليها جميعاً يُعَدُ خروجاً على أصل الإيمان بالكتاب؛ إذ إن آراء المجتهدين -في العموم- حجج شرعية فلا يحق للعوام الخروج عن جميع أقوال الفقهاء -جملة- إلى قول لا مُسوِّغ له من الشرع، ولا يحق لهم أيضاً فصل اجتهادات الفقهاء عن أصل الدين، واعتبارها مجرد تراث تاريخي غير ملزم، فإن الثروة الفقهية تُعد جزءاً من العقيدة الإسلامية من جهة تعلُّقها بالكتاب، ومن جهة أن الأحكام الإلهية المنزلة تكون تارة واضحة مباشرة، وتارة لا تظهر إلا من خلال اجتهادات العلماء، ومن هنا أجمعت الأمة على صحة الاقتداء -في الجملة- بمذاهب الأئمة الأربعة؛ باعتبارها جزءاً من الدين الذي ألزم الله تعالى به المكلفين.

ومن هذا البيان يظهر الأثر التربوي للإيمان بالكتاب من خلال احترام اجتهادات الفقهاء لكونها نتاجاً صادراً عن محاولة فهم الكتاب وتطبيقه، وبيان مراد الله تعالى من عباده.