الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 24ـ الأهمية التربوية للإيمان بالكتب المنزلة


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 1929
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تشمل الكتب في الشرع الحنيف: الصحف والألواح، وأنواع الوحي اللفظي والكتابي الذي أنزله المولى U على رسله الكرام، والتي بلغت في مجملها مائة وأربعة كتب وصحيفة مع القرآن الكريم، وعلى الرغم من أن الكتب مقدمة في الفضل على الملائكة عليهم السلام إجماعاً؛ إلا أن تقديم ذكر الملائكة عليها في الترتيب يرجع لكون الملائكة هم الذين ينزلون -بأمر الله تعالى- بالكتب على الرسل عليهم الصلاة والسلام، فاقتضى تقديمهم في الترتيب.

والبشرية في كل عصر -مهما بلغت من التقدم- تفتقر إلى نهج تتبناه في سلوكها، وطريقة تتعاطاها في حياتها، فليس من جماعة بشرية إلا ولها دين تتقيد به وتعمل على منواله، فإما أن يكون ديناً حقاً، وإما أن تكون أدياناً باطلة؛ فغالب الأمم من الهنود والصينين وغيرهم لديهم كتب يعملون بها، ويتخذونها شرائع لهم، وقد أجمع المؤرخون على أن كل الأمم التي عاشت على الأرض كان لها تصورات دينية، إذ لا تنفك أمة من الأمم عن ثلاث صفات أساسية: لغة تتفاهم بها، وآلة تستخدمها، وطقوس تمارسها وتدين بها.

ومن هنا كانت حاجة البشرية ملحة إلى النهج الحق الذي تمثِّله الكتب، فإن غياب الوحي -الذي هو مصدر الكتب- أو الإعراض عنه يسوق البشرية إلى محض الضلال، فهذا تاريخ البشرية شاهد على ضلال العقل الإنساني في معرفة المعبود الحق؛ فقد عبدت أمم الكواكب والنجوم، وإله الذكر وإله الأنثى بزعمهم، بل حتى الحيوانات، فلا يوجد نوع من الحيوان "في الطبيعة كلها… لم يكن في بلد ما موضع عبادة باعتباره إلهاً"، وهذا لا شك ضلال مبين.

ومنذ فجر التاريخ البشري لم يزل الإنسان عاجزاً عن الاستقلال بالتشريع دون الوحي الرباني، ومعرفته الفطرية العامة بجملة الأخلاق والقيم لا تهيؤه لوضع التفصيلات الدقيقة لجوانب التشريع، بقدر ما تُهيؤُه لاستقبال علوم الوحي التفصيلية بقناعة أكبر، ويكون لها من نفسه شاهد على صدقها.

إن البشرية قد تتقدم وتحقق -كما هو الواقع- في العلوم المادية نجاحاً باهراً، وتقف على جمع من المصالح الدنيوية، إلا أنها في جانب علوم الإنسان وطبيعته، وما يُفسده: لا تزال في حالة بدائية قاصرة، وعاجزة عن أن تُوجد له النظم التي تناسبه، ولا تتعارض مع طبيعته المجهولة، وهي أعجز ما تكون عن تحديد مصالح الآخرة ومفاسدها؛ إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالنقل عن الكتب المنزَّلة.

ثم إن الخلاف بين الناس: أمر واقع، فلا بد من مرجع صادق معصوم يحسم مادة الخلاف، ويحكم بالعدل وهذا لا يتوافر إلا في الوحي المعصوم، المتمثل في الكتب السماوية الصحيحة، كما أن غياب الرسول لا بد حاصل بالموت، فيبقى الكتاب شاهداً على الأمة لا يزول، يحسم الخلاف، ويصحح المسار.

إن التحاكم إلى الكتب ليست مسألة اختيار بين شريعة وأخرى، بل هي محك لاختبار صدق الإيمان، فإما إيمان بالله أو كفر به، فأحكامها -على الصحيح- لم توضع من أجل الدنيا؛ بل هي في الحقيقة من أجل الآخرة وثوابها، وما يحصل في الدنيا من نفع وخير وبركة في تطبيقها ليس مقصوداً لذاته إنما هو مطلوب من أجل الآخرة، فمجرد تطبيق أحكام الكتب يُعتبر في حد ذاته مقصوداً للشارع الحكيم بغض النظر عن النفع الحاصل منه، فقد تخفي المصلحة ولا تظهر كما قال الله تعالى في فريضة القتال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، فيكون مجرَّد الإذعان، والتطبيق من المكلفين: هو المقصود من وضع التشريع، وعليه يكون المقياس المفرِّق بين المؤمن وغيره، كما قال I : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أمرهم ..} [الأحزاب:36]، فالعمل بالكتب محك لصدق الإيمان.

والقرآن الكريم خطاب الله تعالى لعباده المكلفين من الإنس والجن، فهو كلامه على الحقيقة بدأ منه وإليه يعود، ثم أنزله على نبيه محمد r وضمنه العقائد والتصورات التي ارتضاها، والمواعظ التذكيرية للعباد، والأحكام التشريعية، وجعله خلاصة التعاليم الإلهية، وأعظم كنوز المعرفة والحكمة الربانية، والمصدر المقياس لكل فكر، أو تشريع، أو استنباط يُراد وصفه بأنه إسلامي، فهو حجة الله الباقية في الأرض على مرِّ العصور القادمة المتلاحقة دون سائر الكتب الأخرى، حيث انقطع الوحي، فلا بد من رسالة خالدة يرجع إليها الناس، تحمل الحق المطلق الذي لا يمكن أن تصادمه حقيقة تُعارضه حتى قيام الساعة.

وهذا الوصف للقرآن الكريم لم تستوعبه رسالة سابقة، حيث جرى على هذه الرسائل من التبديل والتحريف ماهو كثير، حيث كان حفظها من الضياع تكليفاً بشرياً، أما القرآن فإن حفظه ورعايته مهمة ربانية تكفَّل الله تعالى بها كما قال U : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].