الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 14ـ الأهمية التربوية للإيمان بالملائكة
جعل الله تبارك وتعالى الإيمان بالملائكة ركناً ثانياً من أركان الإيمان الستة، وقدَّمه على الإيمان بالرسل؛ لأن منهم سفيره إلى رسله الكرام -جبريل u- فبدأ بهم، وجعل I الإيمان بهم نوعاً من الابتلاء للعباد؛ إذ إنهم كُلِّفوا الإيمان بهم دون مشاهدة، فالواجب على المكلف التصديق بوجودهم، وأنهم مكلَّفون من الله تعالى، إلا أنهم لا يخرجون عن طاعته، وأنهم يموتون كباقي الخلق، إلا أن أمدهم بعيد، والواجب على المكلف مع هذا الإيمان محبتهم وموالاتهم جميعاً دون استثناء كما قال I : {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة:98]، فالإيمان بهم ضرورة من ضرورات الإيمان، ولا يصح إيمان المكلف إلا أن يؤمن بالملائكة عليهم السلام.
ووجود الملائكة عليهم السلام حقيقة كونية لاشك فيها؛ فقد خلق الله I الملائكة قبل خلق البشر، بطريقة ربانية مباشرة دون توالد وتناسل، خلقهم من نور، فهم -على ما ذهب إليه الجمهور- أجسام نورانية لطيفة قابلة للتشكُّل، لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، لهم قدرات جسمانية خارقة، وسرعات حركية لا يمكن وصفها، وأجنحة، وأحجام مختلفة، وأعداد لا يحصيها إلا الله سبحانه.
وقد جرَّدهم I من الشهوات وتبعاتها، "وكدورة الغضب، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس، وأنسهم بذكر الله تعالى وفرحهم بعبادته، خلقوا على صور مختلفة، وأقدار متفاوتة: لإصلاح مصنوعاته وإسكان سماواته"، فهم من موجودات الكون، وحقائقه الكبرى، لا يصح تصور عاقل إنكار وجودهم خاصة وقد أطبقت غالب الجماعات البشرية على وجودهم في صورة من الصور، حسب ما عندهم من العلم والمعرفة، فقوم يوسف u كانوا يعرفون الملائكة، وكذلك عرب الجاهلية قبل الإسلام، ولا يُنكر مثل هذه الحقائق إلا التجريبيون الذين لا يؤمنون إلا بالوقائع التجريبية الحسية.
ولقد شاء المولى U أن يوكِلَ بعض الأعمال في هذا العالم إلى ملائكته الكرام -وهو غني عنهم- كتكليف بعضهم حمل العرش، والقيام بالتسبيح لله تعالى دون ملل، والقيام على الجنة، والنار، وغيرها من الأعمال وقد كلَّفهم سبحانه أيضاً بكثير من المهام المتعلقة بالإنسان، التي تمثل حاجة بالنسبة له مثل: متابعة خلقه في بطن أمه، ونفخ الروح فيه، وحفظه من المضار التي لم يقدِّرها الله عليه، ومراقبة الخلق وإحصاء أعمالهم وفتنتهم في قبورهم، والنزول بالوحي على الأنبياء عليهم السلام، وإلهام الإنسان فعل الخيرات، وحضور مجالس الذكر، وقد خص الله تعالى بعض الملائكة للرد على من صلى على الرسول r، والدعاء لمن دعا لأخيه في الغيب، إلى أعمال أخرى كثيرة تدل على الضبط والإحكام والرعاية للإنسان، وهذا مما يدل بوضوح على حاجة الإنسان إلى هذه الكائنات الخيِّرة بحيث لا يصلح النوع الإنساني إلا بهم.