الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 5ـ التطبيق الواقعي لمقتضيات الإيمان بالله تعالى
يجب أن يدرك المسلم أن التطبيق العملي: أمر من عند الله تعالى على سبيل الجد لا الهزل، وأن الأعمال التي أمر بها تُمثِّل إرادة خالقه منه، وأنه مسؤول -بصورة فردية- عن القيام بها على أكمل وجه مستطاع، وأن التصور الإسلامي يقرن الإيمان القلبي بالعمل السلوكي الصالح في صورة امتزاج كامل يصعب معه محاولة الفصل بينهما، ومثال ذلك صورة المفتاح فجرْمُهُ يمثل الإيمان، وأسنانه تُمثِّل الأعمال، فلا يستغني أحدهما عن الآخر، ومذهب السلف: "أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"؛ بحيث قد يبهت الإيمان في نفس المسلم، أو يضمحل بتركه للعمل، أو بفعله للمعاصي والمنكرات، وفي الحديث: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)).
ولا بد أن يدرك المسلم أن الإيمان يشمل الظاهر والباطن من الإنسان، ففي الباطن يكون التصديق القلبي، وفي الظاهر يكون تصديق الجوارح من خلال العمل الصالح والأخلاق، فنبذ العمل تكذيب للإيمان وقد جعل رسول الله r انشراح الصدر بالحسنة وضيقه بالسيئة دليلاً على الإيمان، فقد جاء عنه أنه قال: "إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك: فأنت مؤمن". وهذا محكٌ دقيق يدرك به المسلم مدى صحة إيمانه وقوته، ويعلم "أن المسؤولية لا تعرف الفصل بين ظاهر العمل وباطنه؛ فعمل الباطن بدون عمل الظاهر عجز، وعمل الظاهر بدون عمل الباطن نفاق، لا يجدي شيئاً".
ولعل من أفضل وسائل تقوية الإيمان بالله تعالى التدرج في التطبيق العملي لمقتضيات الإيمان، على نهج الصحابة الكرام، فقد كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها ويعملوا بها، فتعلموا القرآن والعلم والعمل، ومن المعلوم "أن الإيمان لا يحيى إلا بالعمل، بل لا يتم تكوينه إلا بالعمل"، وأفضل طريقة لتكوينه وتقويته: ممارسته الواقعية الدائمة وعدم الانقطاع.
ثم إن الشعور بالتعظيم لكل شرائع الدين -جزئياته وكلياته ما دامت صادرة عن إرادة الله تعالى- ضروري لبعث روح العمل بها؛ فالإسلام وحدة واحدة، قواعد وبناء، لا يُتصور فصل بعضها عن بعض، وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذا المعنى في قوله: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" فجعل الإسلام كالبناء، وجعل أركانه كالقواعد للبناء، وذلك مما يدل على أنه وحدة متكاملة، وأي طعن أو استهزاء بجزئية منه: يعتبر طعناً في كليته، وهذا يستلزم إخراج الطاعن من الإسلام.