الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 4ـ الأهمية التربوية لمعرفة الله تعالى


معلومات
تاريخ الإضافة: 24/8/1427
عدد القراء: 2228
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

بعد استقرار الفطرة في نفس الإنسان باعتبارها معرفة أولية بالله تعالى: لا بد له -بعد ذلك- أن يعرف ربه الذي يعبده بشيء من العمق والتفصيل، في ضوء الوحي المبارك؛ فقد ذكر كثير من العلماء أن معرفة الله تعالى أول الواجبات على المكلفين، قال أبو القاسم التميمي: "أول فرض فرضه الله تعالى على خلقه معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه"، فجعل معرفة الله تعالى على الوجه الصحيح هي الطريق لعبادته، كما اشترط العلماء لصحة التكليف: "أن يكون المكلَّف عالماً بما كُلِّف به"؛ إذ لابد أن يعرف المسلم معبوده عزوجل؛ فإن من قال: لا إله إلا الله موقناً بها من قلبه فقد عرف من يعبد، وأصبح مسلماً، بمعنى أن مجرد التقليد في مسائل العقيدة الكبرى لا يخدم المكلِّف؛ فإن الأمة مجمعة على إبطال التقليد في العقيدة، وذلك يوجب على المسلم معرفة الله تعالى، وتعلُّم أصول الدين ما دام بالغاً عاقلاً، ومن أبوين مسلمين، فإنه لا يعذر بجهله هذه المسائل الكبرى، بل يعتبر مرتدًأ إن فرط في معرفته لهذه الأصول الكبرى.

وبناء على ذلك فإن العلم بالله تعالى، وأساسيات الدين الكبرى من أهم وسائل تنمية الإيمان بالله تعالى؛ لكونها فرض عين على المكلفين، فأوامر الله تعالى كلما كانت أهم: كانت ألصق بالمكلفين، فمعرفته I من خلال معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله من أوجب الواجبات، وأهمها فلا تستقيم الحياة، والتصورات إلا بها، ولا تعرف عظمة الخالق سبحانه إلا من خلال المعرفة الصحيحة، فيعرف المكلف جلال الله تعالى، وعظمته، وفضله، وما يجب له، وما يستحيل عليه سبحانه، ونحوها من علوم الفقه الأكبر، فكلما زاد علم المؤمن بالله زاد إيمانه، وتعلق بعبادته.

والتحقق بالعلم الصحيح يستلزم الانتقال إلى درجة اليقين المنافي للشك، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15]، فوصفهم I بالصدق لكونهم لم يتشككوا في صحة إيمانهم بالله تعالى بعد أن علموا الحق، وآمنوا به، فاليقين على الحقيقة -كما قال الجنيد ~ٍٍِِ هو: "استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يتحول ولا يتغير في القلب".

وقد يصدر من بعض الشباب في مرحلة البلوغ شيء من الشكوك الدينية، وربما حصل شيء من التمرد والانتقاد، وهذا في الحقيقة لا يرجع إلى كونهم يكفرون بالله؛ ولكن هو نوع من الانتقاد غير المباشر لطبيعة الحياة الاجتماعية المعاصرة، وتناقضاتها، ومظالمها ولا يبعد أن يصدر عنهم هذا الانتقاد عن شك في بعض المعتقدات الدينية، ورغبة ملحة لمعرفة الحق، فإن حب الحقيقة، والبحث عنها: أمرغريزي في الإنسان إلى جانب أن التصورات الإسلامية وحقائقها لا تخشى البحث. إلا أن اليقين -على الحقيقة- لا يحصل بكثرة الأدلة وقوتها، بقدر ما يحصل من جهة رغبة الإنسان وإرادته في الاعتقاد، فإن الإيمان بالله، ومعرفته تتبع إرادة الإنسان أكثر مما تتبع عقله كما قال بسكال، فكم ممن ثبت لهم الحق بأدلته أعرضوا عنه، ورفضوه تبعاً لإرادتهم الفاسدة.

إن اصطناع الشك في المعتقدات الدينية أمر مرفوض ابتداء في التصور الإسلامي؛ إذ لا يحق للمكلَّف عند بلوغه رفض معتقداته التقليدية من أجل أن يؤمن عن علم صحيح بدليله، ولكن الصحيح هو أن ينتقل من عقيدة التقليد الصحيحة التي تلقاها قبل البلوغ إلى أن يأخذ عقيدته بمزيد من الفهم والإدراك العلمي، فيزداد إيماناً على إيمانه السابق، ومن المعلوم أن من نطق بالشهادتين قبل البلوغ، عرف أصول الدين التي لا بد منها لا يطالب بتجديدهما بعد البلوغ، وذلك مما يدل على أنه مؤمن في الأصل.

ويلحق بالشك، ما يحصل للإنسان من الوسوسة، إلا أن الفرق بين الشك والوسوسة أن الأول: "حالة نفسية يتردد معها الذهن بين الإثبات والنفي، ويتوقف عن الحكم" أما الوسوسة فهي من فعل الشيطان في الصدور، فيوسوس بما لا نفع فيه ولا خير، كأن يأتي الشيطان للإنسان فيوقع في صدره من المعاني، والتصورات ما يتعاظم أن يحدث بها أحداً، أو يجاريه في مبدأ الخلق حتى يسأله: "من خلق ربك" ؟ وكل هذا لا يضر صاحبه ما دام كارهاً له، مجاهداً في دفعه، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفُسَها ما لم يتكلموا أو يعملوا به"، ولما سُئل عن الوسوسة قال: "ذلك محض أو صريح الإيمان"، يعني أن كراهية ذلك هي صريح الإيمان.

وقد يجد الإنسان في خلوته شيئاً من هذه الخواطر تتواتر على قلبه، وكأنها أصوات خفية يسمعها، أو كأن شخصاً ما يكلمه، وعلاج ذلك -أولاً- ما أشار إليه عليه الصلاة والسلام من الاستعاذة بالله تعالى، واللجوء إلى جنابه العظيم، والثاني الانتهاء، ورد الوسواس قدر المستطاع ؛ فإنه بإهماله، وعدم الاكتراث له، واستصغاره يزول ويفنى من النفس، كما أن استعظامه، والاسترسال معه: يزعج صاحبه ويهلكه.