الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية @ 1ـ ضرورة التربية الإيمانية في بناء الشخصية المسلمة
تهتم التربية الإسلامية بالكيان الإنساني كله، وتجعل من التربية الإيمانية أساسها الأول، ومنطلقها الرئيس في بناء شخصية الإنسان المسلم، حيث تهدف إلى غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفس المتربِّي، مع القناعة بها؛ لتكون في الباطن إيماناً راسخاً، وفي الظاهر استسلاماً وإذعاناً لممارسة مقتضيات الإيمان، ومستلزماته، في صورة سلوك وممارسة واقعية في الحياة.
والإيمان بالغيب يمثل القاعدة الأساس للإيمان كله، ولا يمكن أن تستقيم الحياة البشرية دونه، وقد جعل الله I المؤمنين بالغيب، العاملين بمقتضاه: هم المفلحين، فقال U في مطلع سورة البقرة: { الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1-5].
والإيمان بالغيب يقوم على أركان ستة، هي أصول الدين، وهي المنطلق للإيمان بتفاصيل أمور الغيب الأخرى كالعرش، والكرسي، وعذاب القبر، والجن ونحوها، وقد ذكر الله تعالى هذه الأركان في كتابه العزيز فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ …} [البقرة: 285] وقال أيضاً: {…. وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ..} [البقرة:4] وذكر U القضاء والقدر في آيات متعددة من كتابه العزيز.. وأجمل رسول الله r هذه الأركان في جوابه جبريل u لما سأله عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره".
وهذه الأركان تمثل وحدة عقائدية متكاملة، لا تقبل التجزئة؛ فالكفر بواحد منها كفر بها جميعاً؛ فإن من آمن بالله تعالى فلا بد من أن يؤمن بكل ما شرعه الله سبحانه من قضايا الاعتقاد والتصورات، ولا يكون دور المؤمن الاختيار أو الانتقاء في باب الإيمان، بل يؤمن إيماناً مجملاً بكل ما ثبث عن الله تعالى، أو رسوله r، من أمور الغيب، التي لا تقع تحت حسِّ الإنسان، وقدراته المحدودة.
والإيمان يأتي في اللغة بمعنى التصديق، وفي الشرع يُطلق على ثلاثة أمور: الإقرار باللسان، والاعتقاد بالقلب، والعمل بالأعضاء، فلا بد من هذه الأمور الثلاثة لتحقيق كمال صحة الإيمان، وظهور آثاره على النفس والسلوك.
وهذا الجانب من جوانب التربية الإسلامية يستوي فيه الذكور والإناث من المكلفين، فلا فرق بين البنين والبنات من جهة طبيعة الاعتقاد ومستلزماته، ولا من جهة تأثيره في النفس والسلوك إلا أن الفتاة تدخل عالم التكليف قبل الفتى؛ لأن بلوغها عادة يسبق بلوغ الذكور، فإذا ظهرت على الإنسان النامي علامة من علامات البلوغ: كالاحتلام، أو نبات الشعر الخشن على القبل، أو الحيض، أو الحمل، بالنسبة للفتاة أو بلوغ خمس عشرة سنة، فإن الإنسان يُعد بذلك مكلفاً، يجري عليه القلم.
وقد أجمع الفقهاء على أن الإنسان إذا بلغ توجه إليه خطاب التكليف؛ بمعنى توجيه الخطاب إليه بالأمر والنهي وأصبح مسؤولاً عن أعماله الإرادية أمام الله تعالى، ثم أمام المجتمع، ومؤاخذاً بكل سلوك منحرف يؤديه، ومعاقباً على تبعات أعماله السيئة، ومجازى بأعماله الحسنة.
ومرحلة بداية التكليف تُعد من أخصب مراحل عمر الإنسان في الانبعاث الإيماني، فهي مرحلة تدين حقيقي، وتلبُّس بالمثل العليا وقد دلَّ البحث الميداني على أنها مرحلة توجه ديني عند غالب الشباب خاصة عند الفتيات؛ إذ دلَّت النتائج على أنهن أكثر قبولاً، وإذعاناً للدين -في العموم- من الذكور مما يدل على أن تأثير الدين، بمفاهيمه المختلفة لا يزال قوة فاعلة في حياة الإنسان عموماً والشباب -على الخصوص- وهذا يدحض التوجه الغربي الرافض للتوجه الديني، والمغفل لتأثيره، والذي يصف -من خلال بعض دراساته الميدانية- فترة البلوغ بأنها فترة رفض للدين، وإلحاد، وخروج من الاعتقادات، في حين أنها فترة ازدهار إيماني، وانبعاث روحي نحو عالم الغيب: تستلزم توجيه طاقات المربَّى كلها نحو التدين من خلال وصله بعالم الغيب المتمثل في أركان الإيمان الستة، وتربيته على الإيمان بها؛ لتظهر آثارها الصالحة على سلوكه وفي سمْته.