الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاجتماعية للفتاة @ 14ـ دور المجتمع في بناء أخلاق الفتاة
يسري في كل مجتمع إنساني تيار أخلاقي يفرض معاييره على الأفراد، ويحدد لهم الصواب والخطأ، والخير والشر، ويسمُهُم "بطابع خاص يُميِّزهم عن غيرهم من أفراد المجتمعات الأخرى، ويتبدَّى ذلك في تكوينهم الشخصي وسلوكهم الخلقي، واستجاباتهم لمختلف المواقف التي تواجههم في حياتهم"، فالسلوك الإنساني لا يخضع للتكوين الداخلي للفرد فحسب، بل تُؤثر فيه العوامل الخارجية أيضاً، وتطبع آثارها الخلقية في نفسه وسلوكه حتى ينطبع بها، ويكاد ينعقد إجماع علماء الأخلاق على أن الوراثة مع البيئة: هما العاملان الأساسان في تكوين الأخلاق".
ولما كان الإنسان مدنياً بالطبع فهو محتاج إلى معاشرة الناس حتى تظهر محاسن أخلاقه وتنمو، فإن الشخص المنعزل لا يعرف الخُلُق، وإلا فأين يمارس الإنسان الكرم، والحلم، والإيثار ونحوها من الأخلاق إذا لم يخالط الناس في وسط اجتماعي؟ ومن هنا فإن الجو الاجتماعي الصالح يساعد الفتاة على معرفة الأخلاق الفاضلة، ويعينها على ممارستها، والتدريب عليها من خلال التفاعل مع الآخرين، حتى تصبح هذه الأخلاق طبعاً لها، لا تنفك عنه.
وكما يساعد الوسط الاجتماعي الفتاة على تكوين الأخلاق، فإنه يعينها أيضاً على ضبط سلوكها وفق هذه المبادئ الأخلاقية، فإن أنماط السلوك المختلفة لا تتحدد عند الفرد منذ الولادة، وإنما يتعلمها من خلال خبرات الحياة الاجتماعية المختلفة؛ فالمجتمع "يرسم للفرد منهاج حياته اليومية، والمرء في حياته مع أسرته، وفي مزاولته مهنته، وفي كل أمر من أمور حياته اليومية، لا يستطيع إلا أن يخضع لأوامر، وأن ينقاد إلى واجبات، وعلى المرء في كل لحظة أن يختار، فإذا به يختار بصورة طبيعية ما هو موافق للقاعدة المرسومة، ولا يكاد يشعر بما يفعل، ولا يبذل في ذلك شيئاً من جهد، فالمجتمع قد رسم له الطريق".
ولما كان للمجتمع هذا التأثير البالغ في سلوك الأفراد عموماً، فإن حاجة الفتيات إلى سلطانه أكبر، فهن أكثر افتقاراً لبيئة التوجيه والضبط؛ حيث تؤثر فيهن القيم الاجتماعية السائدة بصورة بالغة، قد يفوق تأثيرها في الذكور، فيحتجن - بصورة أكبر - إلى مساعدة المجتمع العام لضبط سلوكهن الخلقي، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب t : "إنما النساء على وَضَم، إلا ما ذُبَّ عنه"، فهنَّ في الضعف مثل اللحم الذي كان العرب يضعونه على الخشب للأكل، ولا يمنعون عنه أحداً أراده، "فشبَّه النساء وقلة امتناعهن على طلاَّبهن باللحم ما دام على الوضم"، فإذا اجتمع مع هذا الضعف الطبيعي فيهن: كون سن الشباب في العموم شعبة من الجنون؛ لغلبة الشهوات على العقل، وثبوت تلبُّس بعضهن بمسالك خلقية تُوجب عليهن العقاب الأخروي: كانت حاجتهن إلى الوسط الاجتماعي الصالح في غاية الأهمية؛ لمساعدتهن على ضبط السلوك وفق النهج الحق، حتى تحصل لهن السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة.