الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاجتماعية للفتاة @ 13ـ مراعاة الفتاة لآداب المجلس الشرعية


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 2809
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

إذا كان ينبغي على الفتاة أن تُراعي حسن اختيار الصديقات فإنها أيضاً تراعي في الحياة الاجتماعية العامة حسن اختيار المجالس؛ فإن مجالس العامة تجمع أخلاطاً من الناس، وكثيراً ما يرغب الفتيات في هذه المجالس؛ لما يرين فيها من تأكيد لذواتهن المستقلة، وخروجهن من عالم الصغار إلى وسط الكبار الاجتماعي.

وقد شرع نظام الاجتماع الإسلامي جمعاً من الولائم والمناسبات التي يمكن أن تكون مجالاً للُّقيا والمجالسة، وأقرَّ الرسول r اجتماع النساء مطلقاً في غير مناسبة خاصة، ولو كان ذلك زمن عدَّة الوفاة، فقد قال فيما رُوي عنه: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكنَّ، فإذا أردتنَّ النوم فلتئوب كل امرأة منكن إلى بيتها".

وقد درج الفاضلات من النساء عبر العصور الإسلامية على الاجتماع والمجالسة للخير والبر: من الوعظ والإرشاد، والتعلم والتعليم، فكثيراً ما كنَّ يجتمعن على محدثة، أو معلمة، أو واعظة يأخذن عنها العلم والأدب، ولعل هذا النوع من المجالس يستهوي كثيراً من الفتيات خاصة وأنهن في هذه السن يملن للقرب من كبيرات السن، ولا يستنكفن عن القيام بخدمتهن، فيجدن في مثل هذه المجالس شيئاً من الأنس.

وقد شرع الإسلام من خلال نظامه الاجتماعي فروضاً، وآداباً للمجالسة والمخالطة، فإذا روعيت: كانت المجالس مشروعة مستحبة، وإلا كانت المجالس محرمة أو مكروهة، فإن الله تعالى يقول: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [ الأنعام: 68]، فمجالسة أهل الباطل، والسكوت على باطلهم في المجلس: مشاركة لهم، كما أن الانفصال عنهم: براءة من سلوكهم الشائن، فلا يحق للفتاة المسلمة أن تشارك في انحرافات المجتمع السلوكية أو تُقرَّها، فإن المشاركة نوع من الإقرار خاصة وأن الناس عادة لا يجتمعون، ولا يتوافقون بينهم إلا على التشابه، وتآلف الطباع، والنبي r يقول:( الأرواح جنود مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف). وأقل ما يمكن أن يحدثه التلاقي بين النساء في المجالس: تبادل أنواع السلوك من خير أو شر.

ولعل من أهم ما تراعيه الفتاة في المجلس: حفظ اللسان، فإن كثرة الكلام طبع نسائي، وحفظ المنطق من خلق المسلم الحق، فالوقوع في أعراض الناس، بذكر ما يكرهون، أو وصفهم بما ليس فيهم: من الغيبة والبهتان المحرَّمتين، وغالباً ما تكون انحرافات المجالس من هذا النوع، ولعل علاج ذلك أن تعرف الفتاة قبح هذا المسلك المشين الذي وُصف بأكل لحم الأخ الميت، وأنه ما من عيب تراه في الناس إلا ومثله عندها: إما ظاهراً، وإما كامناً كمون النار في الحجر، إلى جانب أنه دينٌ عليها لابد أن تتحلله من صاحبته.

كما أن مسلك النميمة، بنقل أخبار الزميلات إلى غيرهن على وجه الإفساد: مسلك محرم، من فعل الأشرار؛ لما يحدثه من فساد ذات البين، بإيغار الصدور، ومعرفة الفتاة المؤمنة بخسَّة هذا السلوك، وعظم عقوبته عند الله تعالى: ينفرها منه، ويبغضها في مجالسة أهله، خاصة إذا علمت أن: "المسلم من سلم السلمون من لسانه ويده" كما جاء عن رسول الله r .

ويلحق بهذين السلوكين المنحرفين: مسلك الكبر الذي يمنع صاحبه الجنة، والمتضمن لرد الحق على أصحابه، واحتقار الناس، والله تعالى يقول: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18-19].

ولعل مما يشيع في الوسط النسائي، وعند الشابات منهن خاصة: مسلك الاستهزاء، حيث يجدن فيه مادة خصبة للترفيه، وقضاء الوقت لاسيما وأن النساء - في الجملة - أقل تقديراً وإدراكاً للزمن، فيتنابزن بالألقاب ويتغامزن، ويسخر بعضهن من بعض، ويتنذَّرن بمسالك بعضهن في الملبس، أو المأكل والمشرب، أو الحديث، وربما ضحكن من الريح تحدثه إحداهن، أو الجشاء، وكل ذلك سلوك ممقوت، نهت عنه الشريعة السمحة، وليكن شعار الفتاة في تعاملها مع الناس والزميلات على الخصوص كما قال عليه الصلاة والسلام:(…. ما تحب أن يفعله بك الناس فافعله بهم، وما تكره أن يأتي إليك الناس: فذر الناس منه ), فمسلك الملاطفة في المجلس بحسن التحدث والاستماع، وطلاقة الوجه عند اللقاء، وإلقاء السلام، وحسن رده، والمصافحة: كل ذلك مما جاء الإسلام بالأمر به، وكل إنسان سوي يرغب أن يُعامل به، وأن يحظى بنصيبه منه، فعلى الفتاة أن تدرك: أن من كانت هذه سجاياه، وهكذا نهجه في التعامل: كثر جليسه، وقلَّ عدوه، ومن تخفَّف من حمل هذه الأخلاقيات: فإنه يخفف في نجاح علاقاته الاجتماعية بقدر تخففه من المجاهدة في حمل هذه الأخلاق والعمل بها.