الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاجتماعية للفتاة @ 12ـ التزام الفتاة بحسن التعامل مع الناس


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 2871
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

لا يمكن للفتاة المسلمة أن تعيش بمعزل عن وسطها الاجتماعي فإن الاحتكاك الاجتماعي فطرة إنسانية؛ إذ لا بد لها أن تتعامل مع المجتمع، أخذاً وعطاءاً، وصحبة وإخاءً، ونحوها من العلاقات الاجتماعية المختلفة. ولما كانت هذه العلاقات الإنسانية ضرورية لحياة الفتاة، وفي تعاملها الاجتماعي؛ فإن قدراً من الرفق واللين، والرحمة واللطف لابد أن يتخلل معاملاتها مع الناس، وفي هذا يقول الرسول r :( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء  إلا شانه), ويقول عن الرحمة:(من لا يرحم الناس لا يرحمه الله U),ويقول أيضاً:(لا تُنزع الرحمة إلا من شقي).

والرفق في التعامل سلوك عام تنتهجه الفتاة في كل أنواع علاقاتها، فإن رسول الله r لم يستثن من ذلك حتى الجمل، فقد أهدى مرة للسيدة عائشة رضي الله عنها بعيراً فيه صعوبة، فأخذت رضي الله عنها تشتد عليه، فقال لها رسول الله r :( عليك بالرفق).

وكذلك جانب الرحمة فإنه أيضاً سلوك عام تنتهجه الفتاة مع الجميع، وفي الحديث قال رسول الله r :(بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفَّه ثم أمسكه بفيه. ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. قالوا يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر), وفي الجانب الآخر فقد رتب الإسلام أيضاً العقوبة على من تقدم بالإيذاء نحوها كما في حديث المرأة التي دخلت النار بحبسها هرة.

إذا كان خلق الرفق والرحمة يستساغ وضعها في العجماوات من البهائم والحيوانات، ويُكتب على ذلك الأجر والثواب فإن من الضروري أن يكون وضعهما في عالم الإنسان أبلغ وأعظم أجراً. ومن هنا تنطلق الفتاة المسلمة واضعة نصب عينيها مبدأ الرفق والرحمة في جميع معاملاتها سواء مع الصديقات أو الأهل أو الأطفال، فإن الكل يحب أن يعامل برفق، كما أن الكل يجب أن يكون موضع رحمة وعطف.

ثم إن من أهم حقوق الأفراد بعضهم على بعض في المجتمع الإسلامي أن يتجنب كل فرد منهم إيذاء الآخرين في أي صورة من الصور، سواء كان ذلك في ممتلكاتهم وأموالهم، أو كان في مشاعرهم وما يعتزون به، وذلك من خلال بخس الناس حقوقهم، أو السرقة منهم، أو من خلال استحقارهم، والتكبر عليهم، فكل ذلك فيه انتهاك لحرمة المسلم التي عظمها الله تعالى، وفي هذا يقول الرسول r :(… كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).

والفتاة كعضو اجتماعي قد تتعرض من خلال تعاملها الاجتماعي العام لما قد يوقعها في شيء من هذا تجاه زميلة لها تأخذ منها حقها ولا ترده عليها، أو من خلال التكبر على غيرها لأموال عندها، أو لجاه أبيها أو جماعتها، وكل هذا يوقعها في سخط الله تعالى من جهة، ويبعث في المجتمع المسلم البغضاء والشحناء من جهة أخرى… ولهذا استأصل الإسلام هذه الأخلاق المذمومة بالحث على ضدها من إعطاء الحقوق وتحريم الظلم الاجتماعي، حتى إن رسول الله r قطع يد المرأة المخزومية التي كانت تستعير متاع جاراتها ثم لا ترده عليهن. وقال في شأن المتكبرين المحتقرين للناس: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطُهُم . قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها…".

إن الفتاة بطبيعتها الفطرية الإنسانية تكره أن ينتقص أحد حقاً لها سواء كان ذلك في مالها أو في عرضها، فإذا كان الأمر كذلك فلتضع نفسها في موقع الآخرين فإن الجميع على نفس الشعور لا يحبون أن يُنتقص من أموالهم أو أعراضهم، في أي صورة من صور الحيف الاجتماعي.

ولعل المجتمع المدرسي من أكثر ميادين احتكاك الفتاة الاجتماعي الذي تطالب فيه بمراعاة هذه الآداب الاجتماعية مع معلمتها، والمسؤولات فلا تتقدم إليهن بما يدل على سوء الأدب. كما أنها مع زميلاتها مأمورة بحسن الصحبة والمزاملة، فلا يصدر عنها ما يدل على التعالي أو التكبر بسبب الأصل، أو المال ونحوهما، وإنما تسعى معهن جميعاً إلى التآخي في الله تعالى، وتجعل من التقوى والأخلاق ميزان التفاضل والتكريم. وتحاول قدر استطاعتها التعاون على البر والتقوى، والمشاركة الجادة في نشاطات المدرسة الصفية وغير الصفية، وتتجنب بكل طاقتها كل مظاهر الإفساد للمنشآت، أو المرافق المدرسية بتكسيرها، أو توسيخها، بل تكون مع زميلاتها على العكس من ذلك ساعيات في النظافة والصيانة بقدر طاقاتهن.

إن المجتمع الذي تشيع فيه آداب التعامل الإسلامي، وتحترم فيه الحقوق خليق بأن يحيا فيه الناس مطمئنين على أنفسهم وأموالهم، وفي الجانب الآخر فإن المجتمع الذي تشيع فيه صور الحيف في الحقوق والأعراض كفيل بأن تتقوض أركانه، وتذهب ريحه في المشاحنات الفردية والجماعية.

ومن الأخلاق الاجتماعية الكريمة التي جاء بها الإسلام حفظ الأسرار وستر العيوب، فإن المجالس بالأمانة لا يصح نقل أحداثها، وأخبارها لغير مصلحة شرعية معتبرة، كما أن ما ينكشف من عيوب الناس من خلال المخالطة، لا يصح إفشاؤه وإذاعته، وخاصة إذا كان أصحابها يحرصون على سترها، ويجتهدون في إخفائها.

إن الإسلام في سعيه الحثيث لستر العيوب، وحفظ الأسرار إنما يمنع من إشاعة الفحش، وقبيح الأفعال بين الناس، فإن كثرة وقوع أخبار السوء تُجرئ عليها من لم يقع فيها، وتهون على الناس سماعها، وتخفف على الضمائر عظم جرمها.

ومن هنا فإن الفتيات في تفاعلهن الاجتماعي بين القريبات والزميلات يتبادلن الأسرار، ويتكاشفن العيوب، وربما كان منها ما يتصل بالشرف، فإذا سعت إحداهن في حالة غضب منها، أو نفرة من صديقاتها نحو إفشاء الأسرار، وكشف العيوب، والطعن في الشرف: شاع في المجتمع إذاعة القبيح من القول، وانتشر بين الناس سماع الرذيل من الأخبار، وقام بين الزميلات من أسباب النفرة والضغينة ما قد يسوق بعضهن إلى الافتراء والكذب حتى يرددن عن أنفسهن ، فيحصل من ذلك شر كبير.

إن الأصل الذي أدب الشارع الحكيم عليه الناس في المجتمع المسلم الستر مطلقاً فقال r :( من ستر أخاه المسلم ستر الله عليه يوم القيامة) ولا ينبغي أن يفهم من هذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الفتاة وهي تتعامل مع الآخرين لا يمنعها وهي تمارس خلق الستر أن توضح للمخطئ خطأه، وللمسيء إساءته، مع الستر عليه وعدم إفشاء عيوبه.

ثم إن الفتاة وهي تمارس هذا الخلق تعلم أنها تحمل في نفسها وفي طباعها جمعاً من الأخلاق التي قد لا ترتضيها، وترجو سترها، ولا تحب انكشافها للناس، فإذا كان الأمر كذلك فليكن سترها على الناس، وسيلة لسترها على نفسها، وحفاظها على كرامة ذاتها.