الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الاجتماعية للفتاة @ 4ـ مشاركة الفتاة في الحياة الاجتماعية


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/8/1427
عدد القراء: 2565
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

ولئن كانت الفتاة المسلمة مأمورة بشيء من الانعزال عن حياة الذكور الاجتماعية؛ لمقتضيات خلْقية وشرعية، تتطلبها الطبيعة البشرية، فإنها مع الوسط النسائي مأمورة بأن يكون لها نصيب من المشاركة الفعَّالة فيه، "فالرجل والمرأة اللذان وصلا إلى مرحلة النضج: يجب أن يكونا اجتماعيين، بمعنى أن يكون كل منهما قادراً على إنشاء علاقات اجتماعية كافية مع الغير"، بحيث تتمكن الفتاة من خلال التنشئة الاجتماعية على التوفيق بين رغباتها ودوافعها الخاصة، وبين حاجات الآخرين واهتماماتهم؛ فإن الفعل مهما كان جميلاً وحسناً لا يمكن أن يسمى أخلاقياً إذا انحصر في نفع صاحبه، ومصلحته الخاصة، فلا تحبس الفتاة اهتماماتها في حدود ذاتها الشخصية، فالأنانية دهليز الموت، ونقيض الحياة الإنسانية السوية، والنبي r اختار للمؤمن الصالح المخالطة في الحياة الاجتماعية، مع الصبر على الأذى إن حصل؛ ولهذا فقد ثبت ميدانياً أن الأفراد من الذكور والإناث من ذوي الاتجاه الديني المرتفع: أكثر ميلاً لمشاركة الناس، والاندماج في الوسط الاجتماعي، كما أن "المرأة التي تسعى وتتحرك، وتعمل في النشاط الاجتماعي: أكثر إثراء، وإسعاداً لبقية أفراد أسرتها".

ومجالات المشاركة الاجتماعية الفاعلة للفتيات واسعة ومتعددة، خاصة وأنهن أميل إليها طبعاً وخُلُقاً، خاصة المشاركات التي تحمل طابع الإثارة العاطفية والانفعال، فإن سرعة التأثر بالمواقف الاجتماعية المختلفة من ملامح حسن الخلق، التي تغلب على طباع النساء، فمشاركة الفتيات الاجتماعية في الأفراح والأتراح: من المشاركات المشروعة التي أقرَّ النبي r النساء عليها، فقد شاهد جمعاً من النساء والصبيان، وقد أتوا من عرس، فقام إليهم مسرعاً فرحاً، وقال: "اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ".

وأما في جانب الأحزان فقد أجاز عليه الصلاة والسلام للنساء المشاركة فيها أيضاً فقال: "لا خير في جماعة النساء إلا في مسجد، أو في جنازة قتيل"، وحثَّ في العموم على الزيارة مطلقاً، وصلة الأرحام، والتَّواد والتراحم بين المؤمنين، ووصفهم في سلوكهم الخلقي بالجسد الواحد، والبناء المتماسك.

ومن أعظم ما يجب على الفتاة المسلمة في مشاركتها الاجتماعية الإيجابية: توقير العلماء، وكل من انتسب إلى العلم من الرجال والنساء، والأخذ عنهم وتقليدهم، خاصة وأن الفتاة في هذه السن في حاجة إلى إرشاد وتوجيه من أهل الفضل والعلم، فتعرض الفتاة المسائل عليهم، فإن كانوا رجالاً: شافهتهم - في حدود الأدب الشرعي - أو كاتبتهم، فقد كان نساء السلف يستفتين الرجال، ويأخذن عنهم في غير ريبة أو فتنة، فهذه أم مسكين بنت عمر بن عاصم رحمها الله تبعث إلى أبي هريرة t تستفتيه، فجاءها عند بابها وأفتاها، وكذلك معاذة العدوية رحمها الله تكتب إلى سعيد بن المسيب ~ٍٍِِ تستفتيه في مسألة، فردَّ عليها كتابة وأفتاها.

وأما إن كنَّ من النساء العالمات الفضليات فإن الفتاة تلتزمهن - حسب قدرتها - وتأخذ عنهن، وتقوم على خدمتهن، كما يفعل التلاميذ النجباء بمشايخهم.

وأما الإحسان بفعل المعروف فهو أوسع أبواب المشاركة الاجتماعية، حيث تجد فيه الفتاة المسلمة ميداناً رحباً للإيجابية السلوكية: فإكرام الضيف، والإحسان إليه، والإهداء إلى الجيران، مهما كان يسيراً، والإنفاق على المساكين مما تيسر، وقبول هديتهم تواضعاً، ومكافأتهم عليها، مع الشعور العام بالرحمة للمؤمنين، والسعي في التودد إليهم، واصطناع المعروف لهم، وإدخال السرور إلى نفوسهم، من خلال الهدية، أو الإصلاح الاجتماعي عند فساد ذات البين، كل هذه المواقف والممارسات الاجتماعية الإيجابية ونحوها: تكون مجالات اجتماعية خصبة للفتاة المسلمة يمكنها أن تشارك من خلالها الناس وتعاملهم، فتكسب الأجر والثواب من خلال هذه الممارسات والخدمات الخالصة، إلى جانب تكوين صداقات حميمة، بعيداً عن جو الأنانية، والمصلحة الذاتية.