الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية التعبدية للطفل @ 2ـ تعليم الطفل أداء الصلاة


معلومات
تاريخ الإضافة: 17/8/1427
عدد القراء: 4885
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

أول ما يبدأ به الأب في تعليم ولده الصلاة: عن طريق المشاهدة دون التوجيه المباشر، وهذا يكون في مرحلة متقدمة جداً من عمر الولد قبل أن يميز، وذلك من خلال أداء الأب صلاة النافلة، والسنن الرواتب في المنزل على مشهد من الأولاد، ومن المعروف أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا), وقال أيضاً:(صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة), فهذه الأحاديث واضحة في الحث على أداء النوافل في البيت، ولا شك أن البركة تحصل في البيت بسبب هذه الصلاة، إلى جانب مضاعفة الأجر والمثوبة عند الله، ويحصل بها تربية قوية وراسخة للأولاد الصغار ؛ إذ يشاهدون والدهم يمرغ وجهه في الأرض ساجداً لله U، قائماً خاشعاً، لا يلتفت إلى من حوله، قد انهمك في العبادة، هذا المنظرالذي يتكرر أمام الأولاد الصغار يومياً يغرس في نفوسهم عظمة الله U، ومكانته I، إلى جانب أنه يحببهم في الصلاة لإقبال الأب عليها، كما أنهم يتعودون رؤية المصلي، ويتعرفون على أعمال الصلاة من تكبير وركوع وسجود وقيام.

وكثيراً ما يندفع الولد الصغير برغبة يقلد أباه، فيقف بجواره يقتدي به في قيامه وركوعه وسجوده، دون وعي منه أو إدراك، ولا شك أن تكرار هذا المشهد يومياً أمام الولد يجعل أمر الصلاة في حسه أمراً عادياً ليس بغريب، فلا يبلغ سن التمييز إلا وقد سهل عليه أداؤها على وجه حسن برغبة وتطلع، وهذا الأسلوب يسمى "أسلوب التربية بالعادة"، وهو من الأساليب التربوية المعروفة، والتي يمكن أن يمارسها الأب لتعويد ولده أمراً من الأمور، وتعليم الصلاة بهذا النوع من التربية يعد من أفضل تطبيقاته التربوية العملية.

وإذا أكمل الولد السابعة من عمره أمر بالصلاة ورغب فيها لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طـه:132]، وقوله عليه الصلاة والسلام :(علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر), ويكون أمره بها إذا أتم السابعة فأكملها وليس قبل ذلك، بل يكتفي قبل السابعة بالممارسة العملية أمامه دون أمر ؛ اتباعاً للسنة والهدي النبوي في ذلك، ومراعاة لطبيعة الطفل الصغير وكرهه للتقيد، والالتزام، ورغبته في الانفلات والانطلاق، بخلاف ابن السابعة فإنه أملك لنفسه، وأقدر على الالتزام والتقيد إلى حد لا بأس به، وكلما كبر الولد كان انضباطه أفضل وأحسن.

وتعليم الأب ولده الصلاة في سن السابعة من واجبات الأب الشرعية، وليست من باب المستحبات، فقد نقل ابن قدامة رحمه الله عن أحد الفقهاء قوله: (يجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين ويأمره بها), ويفهم من هذا أن الأحاديث والروايات الواردة في تعليم الأولاد الصلاة في السابعة وضربهم عليها في العاشرة تفيد الوجوب لا الاستحباب، فلا بد للأب أن يدرك هذه القضية ويعرف واجباته الشرعية في هذا الجانب.

ويعود الأب ولده المميز الوضوء والطهارة، ويلزمه بهما فلا يتركه يصلي إلا طاهراً، ساتراً عورته، حتى يتعود على ذلك ويألفه ؛ لأنه صائر إليه، ولا يلتفت الأب إلى بعض الأقوال الفقهية التي تجيز صلاة الصبي بعد التمييز ساتراً القبل والدبر فقط دون سائر البدن، وذلك ليتعود الولد على الطهارة وستر العورة من الصغر، فلا يبلغ العاشرة إلا وقد ألف الصلاة ساتراً كامل عورته، وملتزماً بالطهارة والوضوء، وقد نص صاحب المغني رحمه الله على أن صلاة الصبي يشترط لها ما يشترط لصلاة البالغ، فإذا كان الأمر كذلك أصبح تعويده في السابعة على ستر عورته، وتمام الطهارة واجباً على الأب.

أما الولد الصغير دون سن التمييز، والذي لا يعقل من أمر الصلاة سوى تقليد الأب في القيام والركوع والسجود، فإن الأب لا يشتد معه في أمر الطهارة، وستر العورة ؛ بل يتركه على حاله، ولا يزجره، ولا يكفه عن التقليد ؛ لأن زجره، وتعنيفه والشدة معه في هذا السن وهو غير مكلف ينفره من الصلاة، ويكرهه فيها.

وتعتبر (الصلاة أهم حدث ديني واجتماعي وأخلاقي وتربوي ؛ بل وتاريخي في حياة الطفل … فيجب أن لا ندعها تمر في حياة الطفل مروراً عابرا), لهذا يقترح تعميق هذا الحدث الهام في نفس الولد من خلال إعلامه بقرب موعد تكليفه الصلاة، فإذا أتم السابعة وصلى أول فرض: جمع له أبوه بعض أصدقائه، وإخوته، وعمل حفلاً صغيراً ابتهاجاً بهذه المناسبة الطيبة، ويقدم له ساعة يد هدية بهذه المناسبة الهامة، فهي أفضل هدية تقدم للطفل في هذا السن ؛ لتكون حافزاً له على أداء الصلاة في أوقاتها.

وإذا بدأ الولد بعد السابعة الصلاة بانتظام، وجب على الأب متابعته وتذكيره بها من وقت لآخر، فلا يغفل عنه ؛ بل يكرر عليه الأمر مراراً وتكراراً ولا يمل من ذلك، فإن كان الأب في سفر، أو شغله شاغل عن الولد، وكَّل من يقوم مقامه من أهل البيت ليقوم بالتذكير والمتابعة ؛ وذلك لئلا يتجرأ الولد على تركها بعد أن بدأ في أدائها، فيسوقه ذلك إلى التهاون بها بعد العاشرة، فقد أوجب بعض العلماء على ابن العاشرة أن يعيد الفروض التي تركها.

وينصح ابن مسعود رضي الله عنه الأباء، ويذكرهم بواجبهم نحو الأبناء في موضوع الصلاة، فيقول :(حافظوا على أبنائكم في الصلاة وعودوهم الخير فإن الخير عادة), ولا بأس - في بعض الأحيان - أن يعطي الأب ولده مكافأة تشجيعية على التزامه أداء الصلاة ؛ ترغيباً له في الاستمرار عليها، فقد كان بعض السلف رضوان الله عليهم يفعل ذلك، ولكن يلاحظ عدم تعويده على المكافأة دائماً ؛ لئلا يعتاد عليها، فلا يصلي إلا إذا أعطي شيئاً، ولكن يعطيه في أوقات، ويمنعه في أوقات، وينوع المكافآت فمرة مادية كلعبة، أو حلوى، أو نقود، ومرة معنوية، وهكذا.

ويحاول الأب أن يقرن الأمور المحببة بالصلاة، فإذا أراد أن يصطحب الأولاد في نزهة وقّت ذلك مثلاً بأداء صلاة العصر، أو صلاة المغرب، أو نحو ذلك، فيتحفز الأولاد لأداء تلك الصلاة في وقتها، ولا ينسونها ؛ لاقترانها بمحبب، فيجتهد الأب في ترتيب جميع مواعيده مع الأولاد بأوقات الصلوات، فيتعلم الأولاد تنظيم الوقت، وتوزيعه بناء على أوقات الصلاة إلى جانب أن هذه المواعيد تذكرهم بأدائها في وقتها.

ومن وقت لآخر يخاطب الأب أولاده بالآيات والأحاديث التي تحث على أداء الصلاة، وترغب فيها، حتى يتكون التصور الفكري لدى الولد عن منزلة الصلاة، وأهميتها في الإسلام، ويفضل أن يراجع الأب إلى جانب القرآن الكريم كتب الحديث مثل(صحيح البخاري), و(صحيح مسلم) وكتب السنن، وغيرها، فيتزود بالجانب النظري في فضل الصلاة والحث عليها، وينتقي من الآيات والأحاديث السهل منها، والمناسب لمدارك الأولاد، فيقرأها عليهم ويعلق عليها بما يفتح الله عليه من البيان.

ويعود الولد، خاصة إذا بلغ العاشرة على أداء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة، كسنة الفجر والظهر والمغرب والعشاء، ويعوده صلاة الوتر وشيئاً من قيام الليل، فيأخذه الأب إلى جانبه يصلي في الليل، اقتداء بالرسول r مع ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فقد كان يقوم بجانب الرسول r بعض الليل إذا نام عند خالته ميمونة رضي الله تعالى عنها، وربما أخذ رسول الله r بأذنه إذا نعس لينشطه للصلاة.

ويبدأ الأب بتعويد ولده الصلاة في الليل بأن يبدأ معهم بأداء شيء منها في البيت بعد صلاة العشاء مباشرة، ثم يتدرج بهم شيئاً فشيئاً حتى يمكنهم من أداء الوتر في جوف الليل، فيعلن بينهم أنه سوف يقوم ليصلي في الليل وقت كذا وكذا، ويترك الأولاد ليتنافسوا في الاستيقاظ في ذلك الوقت، دون أن يوقظهم ؛ ليتعودوا الاعتماد على النفس، وتقوية الإرادة، فإن الولد إذا اجتهد في أداء النافلة وحرص عليها، فإنه على أداء الفرض ألزم.

ويلاحظ الأب إذا قام بأولاده في الصلاة أن لا يطيل؛ بل يخفف ترغيباً لهم على الاستمرار وصرفاً للملل عنهم، فإن نعس أحدهم أمره بالنوم رفقاً به.

وإذا قصر الولد في أداء الصلاة المفروضة بعد بلوغه العاشرة، وجب على الأب وعظه وتذكيره بها، وإقناعه بأمر الله U، ورسوله r، وإقامة الحجة عليه، فإن استمر في إهماله لها أغلظ له في القول، وعنفه وهجره فلا يكلمه ولا يخالطه، ولا يمازحه، ويحرمه من بعض الأشياء المحببة إليه، وهذا النوع من العقوبات النفسية له فعالية قوية وأكيدة في نفس الولد، فكثير من الأولاد تكفيهم عن العقوبات البدنية، والأب لا يستعمل العقاب البدني إلا بعد إخفاقه فيما دونه من العقوبات، فلا بأس بالضرب غير المبرح في بعض الأوقات ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الصبي إذا بلغ العاشرة ولم يصل:(واضربوه عليها ابن عشر), ولا يصح استعمال العقاب البدني مع ولد لم يعوده أبوه الصلاة منذ السابعة، فإن الطفل لا يتعود الالتزام بمجرد الأمر ؛ بل يحتاج من التربية، والتدريب، والتعويد، ما يؤهله لالتزام الأمر، والتعود عليه، فإن قصر الأب في تعليم ولده الصلاة منذ السابعة وجب عليه أن يسلك معه أسلوب التدرج والتمرين والتعويد من جديد، ولا يهمل هذه المراحل، حتى وإن تعدى الولد سن العاشرة ؛ إذ لا بد من مرحلة التدريب والتمرين، فمن الخطأ أن يُظنَّ بإمكانية قيام الولد بأداء الصلاة عن طواعية في سن العاشرة، بل وحتى بعد البلوغ دون أن يكون قد حصل على قسط من التربية والتدريب والتعويد عليها من قبل ذلك، فلا بد للأب أن يلاحظ هذه المسألة، ويراعي أولاده منذ الصغر فيحافظ عليهم في الصلاة ولا يهملهم، أو يقصر في حقوقهم عليه، فإن الله سائله عنهم.