الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للطفل @ 10ـ تنفير الطفل من التقليد الأعمى


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 3524
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

التقليد منه ما هو حق وواجب، ومنه ما هو مذموم مكروه، فأما التقليد الواجب فهو تقليد الرسول r بحسن اتباعه والاقتداء به، وكذلك تقليد أهل الإجماع من علماء الأمة الأفاضل، فهذا النوع من التقليد ليس مذموماً. أما التقليد المذموم الذي ذم الله أصحابه وشبههم بالبهائم، فذلك التقليد الذي يجعل صاحبه بلا كيان ولا روية، فيقبل قول غيره من العامة بلا دليل ولا برهان. قال الله تعالى في أرباب هذا النوع: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:170-171]، فهؤلاء المقلدون لا يعلمون شيئاً، ولا يفقهون سوى أنهم يسيرون على طريق آبائهم، دون أن يعرفوا هل هو طريق حق أو باطل، فمقياس الحق عندهم ما كان عليه الآباء، والباطل ما لم يكونوا عليه، فهم يتبعون الناعق دون علم أو روية، فألغوا بذلك شخصياتهم، وجمدوا عقولهم، ولم يستعملوها فيما أمر الله به من النظر والتدبر والتفكر، ورضوا بأن يصافوا البهائم العجماء فيهينوا أنفسهم، ويذلوها، ومن المعلوم "أن احترام النفس هو حجر الزاوية في التربية الصحيحة". ولما كان احترام النفس منتفياً مع التقليد الأعمى، كان حرص الأب على تنفير الولد من هذا النوع من التقليد واستهجانه، وإظهار قبحه، يعد أمراً هاماً في التربية، إذ يرفع من معنويات الولد، ويعطي لنفسه مكانتها، ولرأيه وزنه، ولشخصيته احترامها وتقديرها.

ولا يعني هذا أن يقف الولد مع أبيه عند كل قضية، يسأله عن دليله فيها ليقوم بتنفيذها، فإن هذا من قلة الحياء؛ إذ إنه ليس من الصواب أن يطلب الدليل لكل قضية، ولكل أمر من أمور الدنيا، بل إنما يطلب الدليل في الحلال والحرام، والمعتقدات، وما هو مفتقر إلى الدليل الشرعي، أما أمور الدنيا من المباحات فلا دليل عليها سوى أن الولد مأمور بطاعة والده، وطلب رضاه، وطاعته في المباحات من الواجبات. ولكن لا بأس أن يدعم الأب أمره للولد بحجة منطقية يمكنه إدراكها وفهمها. فإذا طلب الأب من ولده الهدوء ريثما تنتهي المكالمة الهاتفية، بين له بإيجاز أن رفعه لصوته مزعج وأنه لم يتمكن من سماع الطرف الآخر على الهاتف، والأمر مهم، ولا بد من الهدوء ريثما تنتهي المكالمة، فإن لم يفعل فإن المكالمة سوف تنتهي بدون فائدة، والمتوقع في هذه الحالة إقلاع الولد عن الإزعاج، لأنه اقتنع وفهم، بل ربما تعود الولد هذا الأدب بعد ذلك، فإذا سمع جرس الهاتف التزم الهدوء والسكينة.

أما ما يتعلق بالحرام والحلال مما يتطلب دليلاً شرعياً، فالولد في بادئ الأمر لا يفرق بين الأوامر، فلا يعلم ما يفتقر منها إلى دليل، وما لا يحتاج إلى دليل، والأب يبدأ مع ولده في هذا الجانب ويعلمه طلب الدليل والسؤال عن السبب إذا اقترن الأمر بكلمة حرام، أو حلال، أو واجب، أو لا يجوز، أو نحو ذلك من العبارات. فإذا كان الجواب بأن الله أمر بكذا، أو أن الرسول r قال كذا، أو أن العلماء أفتوا بهذا، وجب على الولد أن يتأدب بالسمع والطاعة، ويعوده الأب الخضوع لهذه الأحكام عند صدورها عن الله عز وجل، ورسوله r، وعلماء الأمة.

وبهذا الأسلوب تنمو شخصية الولد، ويشعر بكيانه كفرد في المجتمع له مكانته ومنزلته، كما أنه ينفر من التقليد الأعمى وأسلوب الإمعات. ويضرب الأب لولده مثل المقلد الأعمى كمثل البعير المقطور رأسه بذنب بعير آخر، فهو لا يعلم، ولا يفقه شيئاً، بل يقوم بحركات مفروضة عليه، وليس له من الأمر شئ، وكذلك المقلد الأعمى الذي لا يميز بين من يقلد ومن لا يجوز تقليده إلا بالدليل، فتراه لا يستفيد من عقله وقدراته الذهنية في تقرير مصيره، واتخاذ القرار الصحيح في المواقف المختلفة.