الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للطفل @ 9ـ تحذير الطفل من اتباع الهوى


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 3115
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يعتبر الإسلام اتباع الهوى، واتخاذه معياراً للمحبوب والمكروه: أمراً مذموماً، يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً حال أصحاب الأهواء: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:43-44]، في هاتين الآيتين يصور القرآن الكريم نموذجاً من البشر انفلتت أنفسهم من جميع المعايير الثابتة، والموازين، فأصبحوا يحكمون شهواتهم، ولا يعرفون حجة ولا برهاناً، سوى ما تهواه أنفسهم، وبهذا التجرد من الخصائص التي منحها الله للإنسان من الإدراك والقدرة على التمييز انحطت شخصياتهم لتكون أقل من درجة البهيمة العجماء.

وقد ورد عن رسول الله r في ذم اتباع الهوى قوله:(أما المهلكات فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه), وقال أيضاً: (ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع).

ولما كان الهوى بهذه الدرجة من الذم والقبح، فإن مسؤولية الأب في تكوين الإرادة الصادقة في نفس ولده تعد أفضل حل لصد الهوى عن التحكم في عقل الولد وعواطفه، فإن "تربية الإرادة، تنمي في الإنسان حرية الاختيار السليم، حيث يختار الخير وينفذه، وحيث تؤثر الإرادة على الفكر والعاطفة"، فلا يكون الهوى هو المسير له، بل إرادته القوية المستمدة من التفكير السليم، والاختيار الصحيح هو المسير والدافع الحقيقي. وهذا لا يتحقق إلا بالتربية السليمة، والتوجيه الصحيح؛ إذ يقوم الأب بتقوية إرادة الولد متخذاً الوسائل المناسبة لذلك، فيقوي شخصيته باحترام رأيه، واستشارته في بعض الأحيان، مع تكليفه ببعض المهام، وإثابته على الإنجاز، وتشجيعه من وقت لآخر على حسن تصرفه في المواقف المختلفة. ويتجنب الأب الإهانة، والتحقير، والسخرية، فإنها ذل للولد، وإلغاء لكيانه، وتحطيم لمعنوياته. بل يتخذ لعقابه عند خطئه الوسائل المناسبة من إقناعه بخطئه، ولومه، والتدرج في ذلك متبعاً منهج التربية الإسلامية الصحيحة في إيقاع العقوبات.

ومن أعظم الوسائل المساعدة على قهر الهوى: إشعار الولد بأن اتباع الهوى ذل للنفس، واحتقار لها، إذ إنها تشعر بالذل، والهزيمة أمام الهوى، أما إن انتصرت وخالفت هواها شعرت بالعز والانتصار. فالولد إن تغلب على نفسه مرة أو مرتين، فإنه يشعر بعلو همته وقوة شخصيته، ويكون ذلك الانتصار حافزاً لمزيد من الجد والمجاهدة في هذا السبيل. وفي كل هذا لا يتغافل الأب عن ولده؛ بل يساعده، ويكافئه مشجعاً له على مخالفته لهواه وانتصاره على شهواته. ولعل ضرب المثل للولد بالبهيمة العجماء التي لا تعرف إلا شهوتها من مأكل ومشرب: يعد خير مثال لتنفير الولد من الاسترسال في اتباع الهوى والشهوة.

ولا ينبغي ذم كل هوى في النفس والطبع، فإن "الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح، ما أكل ولا شرب ولا نكح، فالهوى مستحث لها لما يريده … فلا ينبغي ذم الهوى مطلقاً، ولا مدحه مطلقاً"، فإن مخالفة كل أنواع الهوى والميول والقيام بالمعقول فقط يخص الملائكة، كما أن اتباع الهوى والشهوات دون عقل أو تفكير من أفعال البهائم، أما الإنسان فهو وسط بين الاثنين فهو عقل وشهوة.

إن فهم هذا المبدأ على النحو الذي ذكر يجعل الأب معتدلاً ومتوسطاً في أسلوب تعامله مع الأولاد، فلا يترك لهم العنان فيتبعون شهواتهم وأهواءهم بغير هدى، كما أنه لا يحجم نشاطاتهم ويكبت ميولهم ورغباتهم المباحة. فإن إشباع النفس بالحلال المباح، يكفها عن إشباعها بالحرام المحظور.