الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للطفل @ 4ـ تعلم الطفل القراءة والكتابة


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 5912
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

يستمر تلقين الطفل المعرفة الفكرية السهلة إلى فترة طويلة حتى يتمكن من القراءة، وأخذ المعلومات بنفسه. فإن القراءة تعد من أعظم وسائل المعرفة، إذا لم تكن هي أعظمها، والأمر قد جاء بها من عند الله عز وجل، فقد كان أول التقاء بين السماء والأرض بعد انقطاع طويل، نزول قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. وفي هذا إشارة إلى أهمية العلم والتعلم، وبيان وسيلتهما ومفتاحهما وهي القراءة.

والأب مكلف بمهمة التعليم، فهو المسؤول عن تعليم أولاده القراءة، والكتابة، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية وأن لا يرزقه إلا طيبا ).

وإن هذا لا يتحقق في جو فشت فيه الأمية بين المسلمين، وقل الشغف بالقراءة، والاطلاع وطلب العلم، خاصة من المقربين للولد، فإن "الرغبة في المطالعة لا تولد مع الطفل، فالأطفال لا يتعلمون حب الكتب بدافع ذاتي، فلا بد أن يقودهم شخص ما إلى عجائب عالم الكلمة المكتوبة"، وهذا الشخص لا بد أن يكون هو الأب، لأنه القدوة، ولأنه المحبوب من أولاده، وكل ما يصدر عنه، فهو جميل وحسن.

ويمكن أن يبدأ الأب في تأصيل حب القراءة عند الولد، عن طريق تأسيس مكتبة علمية في البيت بمجرد ولادة الطفل، فإن إحاطته بالكتب من أول الأمر تجعله يعتادها ولا يستنكرها، فيتعلم كيف يتعامل معها ويحترمها في سن مبكرة من عمره.

ويحاول الأب في هذه الفترة أيضاً أن يقرأ بجوار الولد بصوت عالٍ غيرمزعج، حتى يعتاد على الإصغاء، وسماع صوت القراءة الرتيب، ولو جعل مختاره من القراءة هو كتاب الله عز وجل، كانت الفائدة أعظم، والأجر أكبر.

والطفل في سن الأربع سنوات يتشكل عنده خمسون بالمئة من النمو الذهني، فتكون المطالعة اليسيرة في هذه الفترة تعزيزاً لهذا النمو الذهني عنده. كما أنه في سن السادسة تقريباً يشعر بالثقة في نفسه، وأنه قادر على اقتحام أي مجال من المجالات، فيكون إشغاله في هذه الفترة بالقراءة استغلالاً جيداً لهذه الطاقة الحيوية عنده. مع ملاحظة أن توجيه الولد إلى الاطلاع في سن مبكرة، لا ينبغي أن يكون إجبارياً، إذ إن إجباره على تعلم القراءة قبل استعداده لذلك يؤثر على الاتزان العاطفي عنده، إلى جانب أنه لن يتعلمها بسهولة ويسر، بل يفقد أولاً بأول ما يتعلمه منها، ويسوقه ذلك فيما بعد إلى كرهها وبغضها.

وقد جاءت بين توصيات "ندوة كتب الأطفال في دول الخليج العربية" والتي عقدت في البحرين عام 1985م، توصية نصت على: "عدم إجبار الأطفال في سن ما قبل المدرسة على القراءة والكتابة، مع توفير المثيرات الموحية لهم بتوفير الكتب المصورة المناسبة لتشجيعهم على التعامل مع الكتب"، فهذه التوصية صريحة في التحذير من إجبار الطفل على القراءة قبل دخوله المدرسة، مع اتخاذ الوسائل المناسبة والموحية والمشجعة له للتعامل مع الكتب، فيمكن للأب أخذاً بهذه التوصية، أن يهيئ لولده في حدود سن الرابعة أو الخامسة تقريباً، مثيرات متنوعة، تدفعه للقراءة وحب الكتب، ومن ذلك استخدام بعض الكتب المصورة التي تتضمن صوراً ملونة جميلة لبعض الحيوانات، والنباتات، والأدوات والأشياء المختلفة، وتعليم الولد أسماءها، ثم سؤاله بعد ذلك عنها، فمن خلال هذه الوسيلة يتعلم الولد شيئاً من القراءة، ويتعرف على مضامين هذه الصور، إلى جانب تقوية صلته بالكتب وإشغاله بها.

ويدرَّب الولد الصغير على القراءة من خلال تعلم الكلمات الكبيرة، كالموجودة في الجرائد، ولافتات المحلات، والإعلانات الكبيرة، ولوحات المرور الإرشادية، وغير ذلك مما يمكن أن يكون سهلاً على الطفل ويمكنه قراءته بوضوح.

كما يمكن للأب زيادة تشجيع الولد على القراءة من خلال صناعة بعض الأحرف الهجائية من الحلوى، فيتعلم الولد ويأكل في نفس الوقت، وقد كان بعض القدماء يستعملون هذا الأسلوب، وقد نصح به الفيلسوف "إيراسموس". فبإمكان الأب تكليف أهل البيت بأن يصنعوا هذه الحلوى أو البسكويت، على شكل أحرف هجائية، أو أرقام عددية، ثم يجلس الأب من وقت لآخر يداعب ابنه ويلاطفه بهذا الأسلوب التربوي الجميل، فيتعلم أن القراءة شيء لطيف يدخل السرور، فتكون هذه خطوة مشجعة للولد لمواصلة المسير في تعلم القراءة نحو القصص والروايات الميسرة، والخاصة بالأطفال الصغار.

ولما كانت الصلة قوية بين القراءة والكتابة، فهما لا ينفكان ولا ينفصلان عن بعضهما البعض فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن أمر بالقراءة في أول سورة أنزلها على رسوله محمد r أشار بعدها في الآية الرابعة عن فضله ونعمته بأن علم بالقلم، فقال: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:4]. يقول قتادة -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش، فدل على كمال كرمه سبحانه، بأن علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبَّه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو".

لهذا فإن اهتمام الأب بموضوع الكتابة بجانب القراءة يعد أمراً هاماً، لعظم الصلة بينهما. ويمكن بعد أن يعرف الولد أشكال الأحرف: أن يدرب على الإمساك بالقلم، فإن الطفل يمكنه تعلم طريقة إمساك القلم في الفترة من الثانية إلى الرابعة من عمره، فيمكن من الكتابة على بعض الأوراق الكبيرة البيضاء، أو الملونة، مع استخدام الأقلام الملونة الجذابة، أو بالإمكان استخدام اللوح، أو غير ذلك حسب الإمكان. والأطفال في هذه الفترة مشغوفون بالرسم والتلوين، فيتعلمون رسم الأحرف والأعداد وتلوينها.

ولا يغفل الأب عن تشجيع ولده ومتابعته والاهتمام بإنجازه، حتى وإن كان تافهاً غير مفهوم. مع ملاحظة قضية عدم إجبار الولد على استعمال يده اليمنى عند الكتابة أو الرسم، إن كانت كتابته باليسار طبيعية، قد جبل عليها، فإن إجباره يؤدي إلى اضطراب نفسي، وتركه على طبيعته ليس فيه محظور شرعي، إن لم يستعملها في الطعام أو الشراب.

وكما أن الطفل يفتح عليه أول ما يفصح بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، فإنه يُفضل أن يفتح عليه أيضاً عند أول قدرته على الكتابة أن يتعلم كتابة "لا إله إلا الله" أو "الله". وذلك بدلاً من البدء بكتابة اسمه كما هو الحال مع أكثر الآباء عند تعليم أولادهم الكتابة، حيث يبتدئون بتعليمهم كتابة أسمائهم، ولا شك أن الابتداء بكتابه اسم "الله" أعظم وأجل، وأوقع في نفس الولد لتعظيم الله عز وجل، فإذا كان اللفظ "بلا إله إلا الله" والطفل بعد لا يعقل أمراً مستحباً، فإن بدأه بكتابتها وهو أعقل وأكبر أولى وأحرى.

وإذا التحق الولد بالمدرسة الابتدائية، أو الروضة وحصلت له القدرة على القراءة، فإنه يوجه إلى القصص والروايات والكتب الصغيرة التي تناسب سنه، فيؤمن الأب له في مكتبته الصغيرة مجموعة من هذه المطبوعات الجيدة، مراعياً شروط اختيارها، ومطلعاً على مضامينها، فيشجع ولده على الاطلاع عليها وقراءتها، ولا بأس أن يشاركه الأب في أول الأمر، ويقرأ عليه بعض الصفحات من وقت لآخر، حتى يضمن شغف الولد بها، وانجذابه إليها، مراعياً أن يفهم الولد مضمونها وما تدور حوله أحداث القصة، فإن كثيراً من القراء الكبار - فضلاً عن الصغار- يجدون صعوبة في التقاط الأفكار الرئيسية من الكتاب، أو القصة. فيخرج القارئ بجزئيات حول الموضوع دون الفكرة الرئيسية. وهنا يكون دور الأب المثقف أن يعلم ولده كيف يلتقط الفكرة الرئيسية التي تدور عليها أحداث القصة، أو مضمون الكتاب، وبذلك يكون قد خدم ولده خدمة عظيمة، قد فاتت على الكثير من الناس.