الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجسمية للطفل @ 10ـ تعليم الطفل آداب الشرب
للشرب آداب ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، ويُعوِّد أولاده عليها ففيها الخير والبركة والصحة.
ومن أهم هذه الآداب ذكر الله بالبسملة عند الشرب، وعدم الشرب قائماً؛ لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك، وكراهيته له. كما ورد عنه النهي عن الشرب من في السقاء، وذلك للحماية من انتقال الأمراض، وليكون ذلك أهنأ للآخرين عند شربهم، فلا يقع في نفوسهم الاشمئزاز من الإناء الذي شرب من مصبه.
وورد عنه عليه الصلاة والسلام في النهي عن التنفس في الإناء قوله: ((إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء)). والسنة ألا يشرب دفعة واحدة؛ بل يجعل شربه على ثلاث دفعات، وهذه هي السنة المشرفة المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام.
والأب يكون لأولاده قدوة في هذا المجال، فإن هذه الآداب يُعود عليها الولد بالمران والقدوة. ويلاحظ الأب نفسه، فلا يَحْسُن أن يصدر عنه ما يخالف هذه السنن - خاصة بعد أن يعرفها الأولاد - فإن مخالفته لها تضر بتصوراتهم، وتترك في نفوسهم خللاً، فإن صدر عنه نسيان في بعض الأوقات، وذكَّره الولد، فلا بأس بأن يعتذر بأنه نسي، ثم يتدارك الأمر.
ولبعض السنن صعوبة في التطبيق، فتحتاج إلى قوة في الاعتقاد، وكمال في اليقين، ومنها حديث الذبابة، الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء)). إن تطبيق مثل هذه السنة، بغمس الذبابة في كوب الشاي، أو الحليب، أو الماء، عند وقوعها فيه ثم الشرب بعد ذلك، يحتاج إلى جهد نفسي كبير، كما أن فعله أمام الأولاد - بعد أن يكونوا قد عرفوا وعلموا أن ذلك من السنة - له أثر بالغ في نفوسهم؛ إذ يعلمون أن صلة المسلم بهذا الدين، وما جاء في الكتاب والسنة صلة قوية، والاعتقاد بهما لا يخالطه شك، كما أن عدم استقذار الذبابة بغمسها في الإناء دليل واضح على صلابة الاعتقاد، وتمام المتابعة لرسول الله r.
أما إن كان الأب ممن لا يستطيع أن يقوم بمثل هذا العمل، فيفضل أن لا يعلم أولاده هذه السنة، ولا يشعرهم بها، في بادئ الأمر حتى يكبروا ويعقلوا، ويفهموا أن الناس تتفاوت قدراتهم، وإمكاناتهم، وطبائعهم، فيعذرون والدهم في ذلك.
أما إن كان قد أشعرهم بهذا الحديث، وأفهمهم طريقة التطبيق العملي له، وحدث أن وقعت ذبابة في كأسه، وهو يتناول الشاي مع الأولاد، فإن أفضل حل أن يتشاغل عن كأسه، بعمل ما، أو يسقطه من يده وكأنه سقط خطأ، أو يتخذ من الأساليب المناسبة ما يخرجه من هذا المأزق الحرج الذي ربما سبب إضعاف ثقة الأولاد بأبيهم، خاصة إن وجد بين الأولاد من يمكنه فعل ذلك بكل شجاعة.
وفي اختيار أنواع أواني الأكل والشرب فقد جاء الأمر بتجنُّب المصنوع من الذهب والفضة؛ بقوله عليه الصلاة والسلام: ((من شرب في إناء من ذهب أو فضة، فإنما يُجرجر في بطنه ناراً من جهنم)). وهذا دليل كافٍ للمسلم بأن يتجنب مثل هذا، فلا يأكل أو يشرب في شيء صنع من ذهب أو فضة، ولا يجلب شيئاً من هذه الأواني إلى بيته ولو على سبيل الزينة، فإن مشاهدة الأولاد لها تعويد لهم على رؤيتها وتهوين لأمرها في نفوسهم، وربما شربوا فيها مستقبلاً، حباً ورغبة في الممنوع، أو لعدم توفر كأس بين يديه يشرب فيه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والأفضل والأحرى تجنب ذلك بالكلية، مع إفهام الأولاد أن هذا محرم في الدين؛ لما فيه من التكبر على الفقراء، وإسراف في المال، وغير ذلك من الأدلة التي يفتح الله بها على الأب.
وللحفاظ على صحة الأولاد عند شرب الماء خاصة، يستحسن تجنبهم شربه على الطعام، فقد نصح بذلك كثير ممن له علاقة بالطب؛ لما في ذلك من إضرار بعملية الهضم، كما لا يشرب الماء بعد الجهد الكبير، مثل الرياضة، أو التعب الشديد؛ بل يُعطى الولد الماء بعد أن يستريح ويهدأ. وينصح ابن القيم رحمه الله بإعطاء الولد العسل الممزوج بالماء البارد، فهو أفضل شراب حلو؛ لما فيه من الفائدة للمعدة والكبد والمثانة والكلى، إلى جانب أنه يذيب البلغم. فعلى الوالد أن يتحرى اختيار أفضل المشروبات النافعة والطازجة لأولاده، وعليه أن يتجنب المشروبات التي لا تفيد الأولاد مثل المشروبات الغازية، وغيرها من المشروبات المعلبة التي يدخل في تصنيعها إضافة المواد الكيميائية.