الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجسمية للطفل @ 9ـ تدريب الطفل على آداب تناول الطعام


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 5259
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

9 - تدريب الطفل على آداب تناول الطعام

يعتبر الاجتماع على الطعام من السنة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم)). والأب يتحرى الأكل مع أهله وأولاده، ويحذر من الأكل منفردا، فيتلطف معهم ويناولهم الطعام، ويلقمهم الأكل، ويتحدث إليهم في غير إكثار وإفراط، فإن ترك الحديث على الطعام بدعة، والإكثار منه بدعة أيضاً.

ويعلم الأب أولاده هيئة الجلوس على الطعام - إن كان على الأرض - فلا يجلس الولد متكئا، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا آكل متكئاً)). والسنة في الجلوس للطعام تكون بإقامة الركبة اليمنى ووضع اليسرى، أو إقامة الركبتين معا، أو الجلوس كجلوس الصلاة، أما غير ذلك من الجلسات - كالتربع مثلا - فليس من السنة. أما إن كان الأكل على المائدة فالجلوس على الكرسي يكون  بالطريقة المعتادة ولا كراهة في ذلك، وإن كان الأكل على السفرة أفضل. ويحذر من الأكل قائما أو منبطحا على وجهه، فقد ورد النهي عن ذلك.

والابن عادة يقتدي بأبيه في هيئات الجلوس على الطعام، لهذا فإن أول أسلوب ينتهجه الأب في تعويد ابنه طريقة الجلوس الصحيحة للأكل، أن يكون هو قدوة في ذلك، ولابأس في التوجيه المباشر للولد وأمره بالجلوس بطريقة صحيحة إن غفل عن الاقتداء بالأب.

وقبل أن يبدأ الأب مع أولاده الأكل وقد غسلوا أيديهم، يسألهم: ((من رزقنا هذا الطعام ؟)) فيجيبونه: ((الله)). وهذا الأسلوب يربط الولد بالله دائما، فيعلم أن كل خير وطيب من الله عز وجل، فيشكره ويحمده على ذلك. ثم يأمرهم أن يبدؤوا باسم الله U، ويؤدبهم على أن لايضع أحدهم يده في الطعام قبل الكبار، ويعلمهم الذكر قبل الطعام: ((اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه)). ويحاول الأب أن يجهر بهذا الدعاء ليتعلم الأولاد ويحفظوا عنه، فإنهم سريعو الحفظ والتعلم، ويخبرهم أن الذي لا يذكر الله على الطعام، فإن الشيطان يأكل معه.

ويعود الأب أولاده الأكل باليد اليمنى، فإن الأكل بالشمال منهي عنه، لقوله عليه الصلاة والسلام ((لاتأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بشماله))، ولا يجامل الأب أولاده في ذلك، بل يحرص على أن يتبعوا السنة في الأكل باليمنى، فإن كانت طبيعة الولد استعمال يده اليسرى، فإن سمح له باستعمالها في شؤونه الأخرى، فإنه لا يسمح له باستعمالها في الأكل أو الشرب.

وهذا الأدب الإسلامي يرجع إلى تقسيم أنواع الأعمال بين اليدين، فالأعمال الشريفة الحسنة لليد اليمنى، والأعمال المتصلة بالقذارات، وما أشبه ذلك فلليد اليسرى. فعلى الأب أن يدرب ولده على ذلك، ويعوده عليه حتى يجيد الأكل باليمنى.

ويجوز الأكل بالملعقة والشوكة وغير ذلك من الأدوات المباحة، وإن كان الأفضل الأكل باليد. فلا يشتد الأب مع أولاده ويلزمهم الأكل باليد، ففي الأمر سعة. وإن رأى الأب أن يعود أولاده الأكل باليد، فيكفيه أن يأكل هو بيده أمامهم، فلن يلبث حتى يراهم قد قلدوه في ذلك.

 وإن لاحظ الأب على أحد أولاده عدم انضباط أثناء الأكل، وطيشا في يده، ومضايقة لإخوته، فإنه يؤدبه بأسلوب النبي r مع عمر بن أبي سلمة، الذي كانت يده تطيش في الصحفة حيث قال له: ((ياغلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)). ويحث الولد على هذا الأدب بأن يخبره أن البركة تنزل في وسط الطعام إذا أكل كل واحد من أمامه دون أن يخوض في وسط الطبق، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه))، فإذا علم الولد ذلك تأدب بالأدب النبوي، والتزم السنة في أكله.

وليس من العيب أو المكروه أكل الولد للحم من فوق العظم مباشرة دون تقطيع بالسكين، فإن هذا يسمى ((الانتهاش)) وهو جائز، وربما كان هو الأولى، وقد نقل عن النبي r فعل ذلك، فلا ينبغي زجر الولد، أو تعنيفه إن مال إلى هذا النوع من الأكل، ولكن يوجه أن لا يفعل هذا أمام الناس لئلا ينفروا.

ويحذر الأب من أن يعيب طعاما أمام الأولاد، فإنهم يتأثرون بذلك، ويقتدون بالأب، فإن حدث وأن كره الأب نوعا من الطعام، فلا داعي أن يظهر ذلك أمام الأولاد رافعا بذلك صوته، بل يتظاهر بالأكل، لئلا يزهِّدهم في الطعام، وقد كانت سنة الرسول r أنه لايعيب الطعام ((إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه))، فإن تركه ينبغي أن يكون تركه له بدون إظهار للتقذر أو الاشمئزاز، فإن هذا لا ينبغي مع الطعام، بل إن السنة في اللقمة التي تسقط ويصيبها الأذى، وتكون أدعى للتقذر، ألا تترك، بل تؤكل بعد إزالة الأذى عنها.

ويستحب إن كان الأكل باليد أن ُتلعق الأصابع قبل أن تغسل، أو تمسح بالمنديل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعقها)) وينبغي للأب في نهاية الطعام أن يُذكر أولاده بالدعاء المأثور الذي يقول فيه الرسول r إذا فرغ من طعامه: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)).

ويسأل الأب أولاده دائما: ((لماذا نأكل الطعام ؟)) فيجيبونه: (((لنتقوى على طاعة الله عز وجل)). وفي هذا التذكير المستمر للأولاد يشعرهم بالعبودية لله، وأن كل عمل يقوم به الإنسان - حتى وإن كان ممتعا، كالطعام مثلا - فإنه يكون لله، وطلبا لمرضاته.

ويسعى الأب إلى أن يسود جو الأكل البهجة والسرور، فإنهما ينبهان الشهية للطعام، ويلاحظ عدم إجبار الولد على الأكل، والتكلف في ذلك، حتى لايتخذ الولد المعاند هذا الأسلوب للسيطرة على الوالدين، بل الحكمة في ذلك إن أبدى الولد عدم رغبته في الطعام أن يحمل من أمامه بكل هدوء وتصميم، فإنه إن جاع فسوف يطلبه، وهذا يكون مع الطفل السوي، أما إن كانت ممانعته بسبب مرض، أو نحو ذلك عرض على الطبيب ليعطي بعض المشهيات من الأدوية.

ويوجه الأب أهله بأن لا يلتزموا صنع طعام معين، والاقتصار عليه، بل ينوع الطعام من اللحم والخبز والفواكه وغير ذلك، ولا بأس بالحلوى والعسل فهي من أفضل الأطعمة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحبهما، وينبغي التركيز على الأطعمة السريعة الهضم فهي أكثر نفعاً.

وبهذا الأسلوب الجامع بين تنويع الطعام، والملاطفة على المائدة، فإن الطفل تنشرح نفسه للأكل دون عناء، أوجهد كبير، خاصة إن وضع الطعام في الوقت المناسب، ولم يسبقه أكل.

ويدرب الأب الولد الصغير على الاعتماد على نفسه في تناول الطعام، فإن الأطفال يميلون إلى ذلك تقليدا للكبار، فلا بأس بإعطاء الولد الفرصة للقيام بنفسه في ذلك خاصة إن أبدى الولد رغبته في ذلك، مع اتخاذ اللازم حيال ما يمكن أن يحدثه من توسيخ للمكان.

أما الإصرار على عدم إعطاء الولد فرصة تغذية نفسه بيده - خاصة إذا كبر - فإن هذا الأسلوب ليس من التربية في شيء، بل هو سبب لجعل الولد متواكلاً على والديه معتمداً عليهما، فلا يحسن صنع شيء بنفسه.