الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية للطفل @ 6ـ حفظ الولد من فاحشة الزنا
لقد زُيِّن حب النساء والميل إليهن في صدورالرجال، كما رُكِّز ذلك أيضاً في قلوب النساء، وذلك لحكم عظيمة أرادها الله U من استمرار النوع البشري، وقضاء الوطر، والشعور بالسكن والأمن وغير ذلك من الحكم، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذا الميل بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14]، وبدأ سبحانه وتعالى في الآية بذكر حب النساء قبل باقي المحبوبات وذلك لعظم الميل إليهن والرغبة فيهن.
ولما كانت الفتنة بهن عظيمة، وضررهن على الرجال كبيراً: حذر رسول الله r من ذلك، فقال: ((ما تركت بعدى على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء)). لهذا حرم عليهن قصد إثارة الرجال عن طريق التبرج وإظهار الزينة، أوالتكسر في المشية، أوالخضوع في القول، وأُمرن بالتستر والاحتجاب، فإن ظهر من بعضهن نشوز، وانحراف، وتبرج، ورغبة في الاختلاط بالرجال: وجب على ولي الأمر منعهن من ذلك بالوسائل المختلفة كالحبس إن احتاج الأمر إليه، فإن اختلاطهن بالرجال هو أصل كل بلية، وسبب كل استنزال عقوبات الله U.
لهذا فإن المحافظة على نفسية الولد من رؤية النساء المتبرجات، والاختلاط بهن أمر واجب على الأب؛ إذ إن الولد قبل البلوغ في بعض الحالات يميل ويرغب في النساء؛ بل ربما كان الولد ابن العاشرة من البالغين خاصة في المناطق الحارة، لهذا فإن اختلاطه بالنساء والأمن عليه من الفتنة بهن يعد من أعظم أسباب الزنا، ووقوع الفاحشة، خاصة وأن شدة الإثارة الجنسية من حول الولد تثير فيه الرغبة والنزعة الجنسية.
والاختلاط بالنساء من غير المحارم إذا لم يضرالولد بأن يثيره جنسياً، ويجعله يطلع على قضايا من أحوال النساء لا ينبغي أن يعرفها في ذلك السن، فإن حدوث العكس ممكن، إذ يصاب بالتخنث والرعونة، من جراء كثرة مصاحبتهن، وربما ساقه ذلك إلى التشبه بهن في الملابس، والكلام والمشي فيدخل تحت لعنة رسول الله r لتشبهه بهن، فقد قال: ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)).
أما ما يخص المحارم من النساء كالأخوات، والعمات، والخالات، وغيرهن من المحرمات على التأبيد فإنهن مأمورات بالاحتشام أيضاً، فلا يظهرن أمام الولد بالملابس الضيقة المغرية، أو الشفافة المظهرة للبشرة، أو بالملابس الداخلية،، بل يُؤمرن بالحشمة وعدم التكشف خاصة عند الحركة من القيام أو الجلوس، ولا بأس أن يؤمرن بارتداء السراويل الطويلة تحت الملابس؛ لضمان عدم ظهور عوراتهن أمام إخوانهن من الأولاد.
ولا بد من التفريق بين الأولاد عند النوم -خاصة بينهم وبين البنات- لقوله عليه الصلاة والسلام: ((مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً، وفرقوا بينهم في المضاجع)). فإن كثيراً من الانحرافات الجنسية المبكرة يعود سببها إلى إهمال التفريق بين الأولاد في المضجع، ونومهم مع الأبوين في غرفة واحدة. ويكون ذلك بتخصيص غرفة للأولاد وأخرى للبنات وثالثة للأبوين، مع استقلال كل طفل بغطاء يخصه، فلا ينبغي المشاركة في الغطاء، ولا بأس في المشاركة في الفراش، وإن كان الأفضل الاستقلال في كل ذلك.
أما الاختلاط بالقريبات من غير المحارم بعد سن العاشرة بالنسبة للأولاد يُعد أمراً خطيراً يفسد الولد والأسرة، فإن الله أباح دخول الأولاد الصغار من غير المميزين على النساء الأجنبيات بقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31]، أي لا طمع لهم في النظر إليهن بشهوة وتلذذ، ((والمقصود بالطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء في الآية: هم الأطفال الذين لا يثير فيهم جسم المرأة وحركاتها وسكناتها شعوراً بالجنس، وهذا التعريف لا ينطبق إلا على من كان سنه عشر سنين فأقل))، وللاحتياط لا بد من كف الولد من الدخول على النساء الأجنبيات من قبل العاشرة خاصة في البلاد الحارة، إذ إن سن العاشرة ربما كان البلوغ بعينه.
أما بالنسبة للبنات الأجنبيات فينهاهُنَّ الأب عن اللعب مع أولاده ومخالطتهم قبل سن التاسعة. وذلك لأن أقل البلوغ عند النساء تسع سنوات، ولا ينبغي للأب التهاون في ذلك، خاصة مع القريبات كبنات الأخ، أو بنات الأخت، أوبنات الجيران، أوغيرهن، فلا يسمح لهن باللعب مع أولاده، أو الخلوة بهم، فإن احتمال وقوع الفاحشة في الخلوة ممكن، خاصة وأن أطفال هذا العصر يراهقون في سن مبكرة لشدة تأثير المهيجات الجنسية المختلفة في المجتمع الحديث، وقد حدث شيء من هذا في عهد الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، إذ ((كتب عياض بن عبدالله قاضي مصر إلى عمر بن عبدالعزيز في صبي افترع صبية بأصبعه ؟ فكتب إليه عمر: لم يبلغني في هذا شيء، وقد جمعت لذلك، فاقض فيه برأيك، فقضى لها على الغلام بخمسين ديناراً)). وافترع صبية بأصبعه، أي: فض بكارتها بأصبعه. وهذا يدل على أنهما كانا في خلوة، والصبي لم يقدر على الجماع لصغر سنه، كما أن الصبية لم تمانع. فإذا كان وقوع مثل هذه الجرائم في مجتمع القرون المفضلة ممكناً، فكيف بمن يعيش في هذا الزمن ؟ فلا شك أن حدوث مثل هذه الوقائع، بل وأكبر منها، في هذا العصر ممكن ومحتمل. وقد نقل فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي قصصاً ووقائع عن المجتمع الغربي تثبت إمكانية وقوع الفاحشة بين الصغار.
والناظر في كتب الفقه يجد تفصيلاً دقيقاً حول أحكام الزنا التي يشترك فيها الصبيان دون سن البلوغ، فيلاحظ تنازع بعض الفقهاء في قضية تحصين الصبي للمرأة البالغة، هل يحصنها أو لا ؟ أما مسألة قدرته على الوطء فإنهم لا يناقشونها، وكأنها مسلمة بالنسبة للمراهق الذي قارب البلوغ، وبعضهم يعد جماع الصبي جماعاً بغير شهوة، ويجعل استعماله لآلته كاستعماله لأصبعه؛ ولعل هذا في حق الصغير الذي لم يقارب البلوغ. وسئل الإمام مالك رحمه الله ((أرأيت الصبي إذا بلغ الجماع ولم يحتلم بعد فقذفه رجل بالزنا أيقام على قاذفه الحد ؟)). وسئل أيضاً: ((أرأيت امرأة زنت بصبي مثله يجامع إلا أنه لم يحتلم ؟))، فأجاب رحمه الله عن هذه الأسئلة وغيرها، ولم يستنكر طبيعة السؤال ولم يستهجنه.
وبناء على ما تقدم يظهر أن جماع الولد الكبير ممكن وقريب الحصول، خاصة في هذا الزمن؛ لكثرة انتشار الفواحش، ووجود الإثارة الجنسية في كل مكان من حياة الناس، لهذا يحذر الأب هذه القضية، ويحفظ أولاده منها.
ومن مداخل الشيطان على الأب أن يحد مجال الاختلاط بين أولاده الكبار والقريبات من غير المحارم في حدود المصافحة، والجلوس على الطعام، والكلام البريء في البيت مع أفراد الأسرة الكبار كالأب والأم. وهذا من الخطأ؛ إذ إن الولد إذا لم يتعود غض البصر، والبعد عن مجالس النساء قبل أن يبلغ مبلغ الرجال، فإنه يتعود على ذلك كلما كبر، ويتلذذ برؤيتهن، ومصافحتهن، والحديث معهن، فيصعب على الأب بعد ذلك التفريق بينهم إذا كبروا.
كما أن مصافحة الأجنبيات محرمة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عندما همت امرأة تبايعه بمصافحته: ((إني لا أصافح النساء))، فامتناعه عن مصافحة النساء في الوقت الذي يقتضيها - وهو وقت المبايعة - دل ذلك على أنها غير جائزة. وإذا كان غض البصر واجباً خوف الوقوع في الفتنة، فإن مس البدن للبدن أدعى لإثارة الشهوة وتوقدها من مجرد النظر بالعين. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: ((لأن يُطعن في رأس أحدكم بِمِخْيَط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له))، وقد نقل بعض العلماء إجماع المذاهب الأربعة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية.
ولا بد للأب أن يعرف ويدرك أن للأولاد والبنات قبل سن العاشرة رغبة جنسية تمكنهم من الاتصال الجنسي - كما تقدم - وتظهر هذه الرغبة أحياناً في ممارسة العادة السرية، والعبث بالأعضاء التناسلية ابتغاء الاستمتاع، فقد دلت بعض البحوث المتخصصة على ذلك، وأشار بعض المختصين إلى هذه القضية الهامة. لهذا فإنه لا بد من التفريق بينهم، وأخذ الأسباب والاحتياطات اللازمة لذلك، وعدم التذرع بأنهم من الأرحام الذين يجب صلتهم، فقد أشار بعض العلماء إلى أن الأرحام الذين يجب صلتهم هم الأرحام المحرمة بحيث لو كان أحدهم ذكراً والآخر أنثى حرمت مناكحتهما على التأبيد. فلا يدخل في ذلك أولاد الأعمام أو أولاد الأخوال، ولو افترض وجوب صلتهم، فإنها لا تكون بالاختلاط والمصافحة، والخلوة؛ بل تكون بالحشمة، والتستر، والكلام المهذب من وراء حجاب.
ويمكن للأب توقيت سن الفصل بين الأولاد والقريبات من البنات بسن الثامنة، أو التاسعة، وذلك لأن في هذا السن يظهر لدى الأولاد الميل إلى أبناء جنسهم من الذكور، فيميلون إلى اللعب مع أقرانهم من الأولاد، والنفرة من اللعب مع البنات. فهذه الفرصة الطبيعية في التكوين النفسي للأطفال تُعد أفضل وقت لتعويد الأولاد الاستقلال عن البنات الأجنبيات في اللعب والاختلاط. ثم يتدرج الأب بعد ذلك شيئاً فشيئاً حتى يكون الفصل تاماً، ونهائياً عند قرب البلوغ، وظهور علاماته.
كما يلاحظ الأب حفظ ولده بعدم أخذه إلى الأسواق، خاصة التي يكثر فيها النساء حيث التبرج، والسفور، وإبداء الزينة، والغزل المعلن بين المراهقين، فإن هذه الأماكن لا ينبغي دخولها إلا لحاجة، أو ضرورة. فقد أشار ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يجوز ارتياد الأماكن التي يشاهد فيها المنكر ولا يمكن إنكاره، إلا لضرورة شرعية، فما يحتاجه الأب لأولاده من المشتريات يمكن أن يتولى بنفسه تأمينها دون اصطحاب الأولاد؛ حفاظاً عليهم من رؤية المنكرات، وبذلك يكون الأب قد اتخذ الأسباب الشرعية للمحافظة على أولاده، وحمايتهم من بعض الانحرافات الجنسية.