الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية للطفل @ 12ـ تربية الطفل على الحب في الله والبغض فيه


معلومات
تاريخ الإضافة: 17/8/1427
عدد القراء: 4337
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

12 - تربية الطفل على الحب في الله والبغض فيه

إن من أعظم مظاهر الإيمان بالله وبرسوله والانقياد لهذا الدين تحقيق معاني الولاء والبراء ومتطلباتهما من الحب في الله، والبغض في الله، وقد تضمن القرآن الكريم، والسنة المطهرة توجيهات مباركة حول هذا الأصل العظيم من أصول الدين الحنيف، ومن هذه التوجيهات قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:144]، وقول الله تعالى في حق أهل الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، هاتان الآيتان، وغيرهما كثير توجبان على المؤمنين معاداة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، وتوجبان أيضا بغضهم وكرههم، وتحذرمن موالاتهم والركون إليهم، فإن هذا الدين يدور حول هذا المعنى من الحب والبغض، وإلى ذلك أشار عليه الصلاة والسلام حيث قال: ((وهل الدين إلا الحب والبغض)).

والولاية ضد العداوة، وأصلها المحبة والقرب، أما العداوة فأصلها البغض والبعد، ولهذا فإن تحقيق التوحيد هو: "البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم والكفر بهم وعداوتهم وبغضهم"، ومن جهة أخرى حب المؤمنين وموالاتهم، فمن زعم الإيمان، ومحبة الله عز وجل، ومحبة رسوله r، طولب ببغض الكفار، وحب المسلمين، فإن من أحب لسبب لابد أن يبغض لضده، وفي هذا يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إن كل من يحب في الله لابد أن يبغض في الله … ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده، وهذان متلازمان لاينفصل أحدهما عن الآخر".

وإذا علم هذا المبدأ العظيم، وعرفت معالمه وحدوده، فإنه لابد أن تتأصل في النشء الجديد معانيه ومتطلباته، وهذا دور الآباء الذين يدركون أهمية هذه القضية وأبعادها، وخطر التفريط في تحقيق متطلباتها وشروطها.

وقد تفطن أعداء الإسلام من المنصرين وغيرهم، إلى خطورة هذا المبدأ الإسلامي العظيم، فحاولوا جاهدين إشعار المسلمين أن النصارى ليسوا أعداء لهم، وأنهم يمكن أن يكونوا أصدقاء لهم. وبالغش والخداع يمكن أن يقتنع البسطاء من المسلمين الذين لم يدركوا أهداف أعداء الإسلام، ولم يدركوا مفاهيم دين الإسلام وبدهياته. ولاشك أن هذا يعود سببه إلى انحراف منهج التربية الذي تلقوه منذ الصغر ونشؤوا عليه.

ولهذا فإن تعريف الولد بمن يجب عليه حبهم، ومن يجب عليه بغضهم يكون من خلال آيات الله في كتابه الكريم، ومن خلال السنة المطهرة، والواقع الذي يعيشه الكفار يعتبرهوالطريق الوحيد والأمثل لتركيز هذه المعاني في نفس الولد.

ويتحقق هذا من خلال تعريف الولد بأحوالهم، وما هم عليه من الشرك، إذ أنهم يعبدون مع الله غيره، وينسبون إليه الولد والشريك، ويقولون على الله الكذب. وفي بيان هذا الموضوع يحاول الأب أن يعرض على ولده تلك الآيات وبعض الأحاديث في هذا الجانب، مع شرح وجيز لها ليقف الولد على حقيقة هذا الأمر ويدركه إدراكاً جيدًا.

ويضيف الأب في هذا الجانب تعريف الولد بمظاهر انحراف الكفار في السلوك، والأخلاق، والآداب العامة، فيبين له ماهم عليه من التفكك الأسري، وكيف أن الأب الكافر لايحب أولاده، بل يبغضهم ويطردهم، وكيف أن الأب المسلم على عكس ذلك يحب أولاده، ويرعاهم، ويقدمهم على نفسه، ويحافظ عليهم، ويشير أيضًا إلى انحرافاتهم في الجانب السلوكي وانتشار الفواحش بينهم، وشرب الخمور، وتسلط بعضهم على بعض، وكثرة السرقات بينهم، وغير ذلك من أعمالهم ومخازيهم حتى يقع في نفس الولد كرههم وبغضهم وعداوتهم.

ومن خلال القصص ينقل الأب إلى ولده صورة حية لطبيعة عداوتهم للمسلمين وانحرافهم، ومن هذه القصص ماورد في سيرة الرسول r مع اليهود، وكيف أنهم خانوه وآذوه وتآمروا على قتله، رغم العهود والمواثيق، ففي هذه القصص كفاية لإظهار قبح طبعهم وخسة نفوسهم.

ولا يغفل الأب عن تعريف الولد ببغض الله لهم وأنهم أعداؤه، وأن أولياءه هم المتقون، الذين يقومون على حدود الله، يفعلون ما أمروا به، وينتهون عن المحرمات. ويصف شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله أولياء الله وأعداءه، فيقول: "أولياء الله المتقون هم الذين فعلوا المأمور، وتركوا المحظور، وصبروا على المقدور، فأحبهم وأحبوه، ورضي عنهم ورضوا عنه، وأعداؤه أولياء الشيطان، وإن كانوا تحت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويلعنهم ويعاديهم"، وبهذا البيان من شيخ الإسلام يتضح الميزان الذي يقيس ويفرق بين أولياء الله وأعدائه، فمن قام على حدود الله وعمل بالأوامر وانتهى عن المنهيات والمحرمات كان من أولياء الله، ومن وقع في الشرك والمحرمات وخالف المأمورات فهو من أعداء الله الذين يلعنهم ويبغضهم.

وهذا الحب للطاعات وأهلها، والبغض للمحرمات وأهلها لابد من وجوده في قلب المسلم، فإنه بقدر ما يضعف الحب والبغض في القلب بقدر ما يضعف الإيمان ويضمحل، ويحدد هذا المفهوم ويشرحه ابن تيمية فيقول: "وكذلك من لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله من المنكر الذي حرمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي يوجبه الله عليه، فإن لم يكن مبغضا لشيء من المحرمات أصلا لم يكن معه إيمان أصلا".

وإذا عرف الأب خطورة هذه القضية، وأهمية الحب والبغض، وأنها من الإيمان وجب عليه أن يجاهد في توعية ولده بهذه المسألة، وأن يركز في نفسه وقلبه حب الخير وأهله، وبغض الشر وأهله، مستغلا كل الوسائل المشروعة في هذا المجال.