الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية للطفل @ 6ـ أدب الطفل مع الملائكة
الملائكة عباد لله تعالى خلقهم من نور، وأوكل إليهم أعمالاً يقومون بها في هذا الكون، فالتسبيح والتمجيد لله U من أعظم أعمالهم، فهم العابدون لله دون ملل أو كسل كما وصفهم الله U في كتابه المنزل بقوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الانبياء:19-20]، فهم دائمو التسبيح لله U لا يملون من ذلك، فالتسبيح عندهم كالتنفس عند البشر.
ومسؤولية الأب في هذا الجانب هي تعميق حقيقة وجود الملائكة في نفس الولد، وإكسابه يقيناً بوجود هذه المخلوقات العظيمة. ويكون نهج الأب في تعميق هذه الحقيقة هو الاعتماد على القرآن الكريم، والآثار الواردة عن رسول الله r في هذا الجانب الغيبي، فليس هناك طريق آخر لمعرفة هذه القضايا الغيبية سوى طريق الوحي المبارك من عند الله U.
ويبدأ الأب ببيان حب الملائكة للمؤمنين، وأنها تستغفر لهم، كما أخبر بذلك الله U حيث قال: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى:5]، فيُشعر ولده بحب الملائكة له، وأنهم يدعون له، ويطلبون له النجاة والفوز بالجنة، كما يخبره أنهم يحمونه مما يؤذيه، ومن كل ما يمكن أن يضره، فقد قال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]، فالمعقبات هم الملائكة الذين يتعاقبون على الناس بالليل والنهار، يحفظونهم بأمر الله U مما لم يكتب عليهم.
ويبين الأب لولده أن الملائكة هم الذين ينزلون بالوحي الذي تحيا به القلوب، ويهتدي به الناس، فكل أعمالهم لخير الناس وصلاحهم، وبهذا البيان يقع في نفس الولد حب الملائكة وموالاتهم، لما لهم من فضل وإحسان.
ويشير الأب معلماً ولده أعمال الملائكة، خاصة المتعلقة بأحوال الناس، فيبين له أن الملائكة لا تفارق الإنسان إلا في أحوال خاصة، بل تلازمه طول حياته منذ كونه نطفة في رحم أمه حتى دخول الجنة أوالنار، ويحصون كل أعمال العباد من خير أوشر، ويحثونه على فعل الخيرات بما يوقعونه في نفس الإنسان من عمل الفضيلة ونبذ الرذيلة.
وإذا علم الولد أن كل حركاته وسكناته مسجلة عليه محصاة بصحائف الملائكة، وأنهم يرونه ويشاهدونه ويعاشرونه، فإنه إذا استشعرهذا الموقف شعر بضرورة الأدب مع هؤلاء الملائكة، والخجل من اقتراف المعصية أو الخطيئة، فيكون إيمانه بالملائكة حافزاً له لعمل الخير وترك الشر، وحصناً في خلواته من الوقوع في المنكر.
ولا بأس أن يصف الأب لولده المميز طبيعة خلْق الملائكة وعظم أجسامهم، وشدة قوتهم، فقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: ((أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)). أما في وصف قوتهم فيقول عليه الصلاة والسلام: ((إن لله ملكاً لو قيل له التقم السموات والأرضين السبع بلقمة لفعل تسبيحه سبحانك حيث كنت))، وأما وصف عددهم وكثرتهم فيقول عليه الصلاة والسلام)) أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)).
هذه الحقائق عن طبيعة خلق الملائكة وعظم أجسامهم، وشدة قوتهم، وكثرة عددهم، إذا استقرت في نفس الولد وتيقن بها، أحدثت في نفسه شفافية خاصة، وإحساسا مرهفا نحو عالم الغيب، فيستحضر من وقت لآخر تلك التصورات التي يتلقاها من والده عن عالم الملائكة، فيذهب فكره من وقت لآخر متخيلا هذه الحقائق الكونية الكبرى، فيسأل أباه في بعض الأحيان عما يثقل عليه إدراكه وتصوره، أو يسأله عن ورود فكرة أو خاطرة ما على ذهنه عن طبيعة هذه المخلوقات الجبارة، ويمكن للأب أن يجيب ولده عن الأسئلة بالاستزادة من المعلومات حول الملائكة، فيمكن الرجوع إلى كتاب "الحبائك في اخبار الملائك" للإمام السيوطي، أو كتاب "عالم الملائكة الأبرار" لعمر الأشقر، ففيها الكفاية إن شاء الله، فقد جُمع فيهما عن أحوال الملائكة وطبيعتهم، وأعمالهم، ما تفرق في الكتب الأخرى.
والأب يشعر ولده من وقت لآخر بوجود الملائكة، فإن تركه في غرفته أو في مكان ما وحيداً، ذكَّـره برفقة الملائكة له، وأنهم يحصون عليه أعماله، ويدونونها، وإذا شعر الولد خوفاً من الظلام، أو الوحدة، ذكـَّره بوجود الملائكة المحبين للمؤمنين يحفظونه ويحمونه مما يؤذيه، فيشعر الولد بالأنس والاطمئنان.