الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الإيمانية للطفل @ 4ـ تعريف الطفل بنعم الله تعالى


معلومات
تاريخ الإضافة: 17/8/1427
عدد القراء: 12163
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

4 - تعريف الطفل بنعم الله تعالى

التعريف بنعم الله عز وجل على الإنسان، وما حباه من الفضائل وأنواع الطيبات ضروري في التربية ؛ وذلك ليقع في نفس الولد تعظيم الله سبحانه وتعالى من خلال الشعور بالتقصير تجاه شكره على هذه النعم الكثيرة.

والإنسان بطبعه يميل ويحب من يكرمه ويحسن إليه، فيحس نحوه بواجب الشكر والاعتراف بالجميل، فإذا كان هذا حاصلا مع الناس، فكيف برب الناس، الذي سخرهم لنفعه وعونه وإسداء المعروف له؟

ولاشك أن الإنسان إذا عرف هذه النعم، وسابق كرم الله بإيجاده، والصبر على أخطائه وتقصيره، فإنه يحس بالحياء من الله عز وجل لما يراه في نفسه، وواقعه من التقصير في حقه سبحانه وتعالى.

فمن هذا المنطلق يستغل الأب هذه الطبيعة الإنسانية في الكيان البشري، فيبين فضل الله ونعمه على الولد، وما سخره له من الطعام، والشراب، والمركب، والمسكن، وما وهبه من نعمة البصر، والسمع، والشم، والتذوق. ويقرب إلى مخيلة الولد العنت، والشقاء، الذي يمكن أن يحدث إذا فقدت نعمة من هذه النعم، فيلفت نظره إلى فقدان الطعام - مثلا - وما يحدثه من المجاعات المفزعة، المفضية إلى الهلاك والدمار، أو فقدان البصر، وما يحدثه من جهد وعنت للأعمى، أو فقدان الوالدين وكيف يمكن للولد أن يعيش بغيرهما.

وفي كل جانب من جوانب الكون وحياة الإنسان، يجد الأب مجالا خصبا للتذكير بنعم الله عز وجل. يقول ابن تيمية رحمه الله مؤكدا هذا المعنى: "ففي كل ما خلقه الله إحسان إلى عباده، يحمد عليه حمد شكر، وله فيه حكمة تعود إليه، يستحق لأجلها أن يحمد عليه حمدا يستحقه لذاته".

ويلاحظ الأب أن الولد الصغير لا يدرك الأمور المتعلقة بالدين بمعانيها المجردة، فإن أفكاره مرتبطة بالبيئة من حوله، فيحدثه عن آثار نعم الله من خلال مخلوقاته في الكون، كأن يلفت نظره إلى البيئة من حوله فينظر إلى الأشجار والأزهار، والجبال، والسهول، والسماء، وغيرها مما حوله من أمور البيئة، فيدرك الولد جمال ما حوله من الطبيعة في جميع مظاهرها فيقدرها، ويستمتع بها، ويحس بالعلاقة بينه وبين هذا الكون، فتتأثر نفسه بآثار طيبة تعد رصيدا جيدا لمزيد من الشكر، والثناء لواهب هذا الوجود عز وجل.

ويعد الاستمتاع بهذا الكون، وما بث فيه من عجائب المخلوقات جزءاً أصيلا في منهج التربية الإسلامية، فقد احتوى القرآن الكريم على آيات كثيرة تشير إلى هذا المعنى التربوي، وتلفت النظر إلى نعم الله على عباده بما سخره لهم من أنواع الطيبات، والملذات، والاستقرار، ليستمتعوا بها، ويشكروا ربهم عليها، ومن هذه الآيات قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3]، وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر من كتابه العزيز: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:14]، وقوله: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:73]. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تتحدث عن نعم الله عز وجل التي خلقها للإنسان ووهبه إياها.

وهذا الأسلوب القرآني في التربية من خلال الإشعار بنعم الله وفضله. يستغله الأب مع ولده فيختار ألصق هذه النعم، وأهمها عند الولد موضحا فضل الله عليه فيها، كأن يشعر الولد بنعمة الوالدين، وكيف أنهما يحبانه، ويسهران على راحته، ويتألمان لألمه، ويسعدان بسعادته، مبينا الخطر الذي يمكن أن يحدث له إذا ذهبا عنه، ثم يشعره بأن الوالدين نعمة من نعم الله سخرها للأولاد حتى يكبروا ويصبحوا قادرين على القيام بأنفسهم.

والتذكير بنعمة الوالدين له في نفس الولد أثر بالغ لعظم النفع الذي يتلقاه منهما، وعدم استطاعته الاستغناء عنهما، فهنا يشعر الولد بنعمة الله عز وجل متجسدة أمامه، فيحس بشعور يغمر قلبه تجاه الله عز وجل كأنه يريد أن يخاطبه ويشكره على ما أنعم به عليه. وهنا يكون دور الوالد في توجيه الولد إلى الطريق الصحيح لشكر الله عز وجل، وهو الاجتهاد في الاستقامة على منهجه، ولزوم الصراط المستقيم.

وبهذا الأسلوب يمكن للأب أن يشير إلى أي نعمة من النعم التي يدركها الولد، ويعرف أبعادها، فيبين فضل الله وكرمه، ثم يوجه الولد لشكرها، وحمد الله عليها من خلال القيام بالعمل الصالح، فيتعلم الولد بهذا الأسلوب طريقة الأخذ والعطاء، ومعرفة الجميل وأهله، وكيف يكون الشكر والحمد.

وعندما يقدم الأب لولده الصغير قبل سن التمييز برتقالة مثلا، فإنه وقبل أن يعطيه إياها يقول له: "يابني هذه من عند الله ويشير إلى السماء، فإذا لم يسترسل الولد معه في أسئلة حول الموضوع، كأن يقول: "كيف جاءت من عند الله؟"، أو "هل هو أعطاك إياها؟ فإن الأب يكتفي بما أشار به من أن هذه البرتقالة من عند الله، ولاريب أن حافظة الولد تسجل هذه المعلومة وتختزنها، ومع التكرار والتعويد تتركز المعاني وتترسخ في نفسه وقلبه.

أما الولد الأكبر سناً، أو الأكثر ذكاءً وفهماً والذي يحاول أن يعرف كيف وصلت هذه البرتقالة إليه ؟ وعن أي طريق ؟ فإن الأب يبين له بعبارة سهلة ميسرة التسلسل المنطقي في مسيرة البرتقالة من كونها بذرة صغيرة لاقيمة لها، حتى وصولها إلى الولد ثمرة حلوة لذيذة، ويحاول الأب من خلال شرحه وبيانه أن يبرز ويشير إلى قدرة الله عز وجل ولطفه ورحمته من وراء هذه النعمة.

فيبين الأب لولده أن الفلاح وضع البذرة في الأرض الخصبة، ثم سقاها بالماء الذي أنزله الله من السماء، وأشرقت عليها الشمس بأمر الله عز وجل لتدفع فيها الحياة والنشاط، حتى كبرت وأصبحت شجرة بعد أن كانت بذرة صغيرة، ثم بدأت بعد ذلك تثمر برتقالاً حلو المذاق، ثم جاء الفلاح واقتطف هذه البرتقالات من الشجرة، وغسلها، ثم وضعها في صندوق، وخرج بها إلى السوق ليبيعها للناس، فاشتريت البرتقالات منه بالمال الذي آتانيه الله، وقدمت بها إلى البيت، وهاهي البرتقالة الجميلة بين يديك، ثم يعقب على هذا السرد الطويل بقوله: "أرأيت يابني كيف أن الله يحبك ؟ سخر لك الفلاح، والماء، والشمس، والأرض، وسخرني لك لأجلب هذه الثمرة إليك لتأكلها".

وبهذا الأسلوب يكون الوالد قد بذر في نفس ولده بذرة التأمل والتفكر في نعم الله من حوله، فإن كان هذا حاصلا في البرتقالة، فإنه حاصل أيضا مع باقي الفواكه والخضار، فيعمم الولد هذه القضية على باقي الأطعمة خاصة التي تنبت من الأرض لتشابهها بقصة البرتقالة.

ويختلف أسلوب الأب مع الولد المميز، الذي قد حصل عن طريق المدرسة على شرح عملية الإنبات والتمثيل الضوئي، وهنا يبدأ معه بصورة مباشرة فيسأله مثلا عن عملية التمثيل الضوئي وكيف تتم ؟ فيسترسل الولد ذاكراً ما تعلمه في المدرسة - وغالبا ما يكون تعليما جافا- من التفاعلات الكيميائية المختلفة التي تصاحب عملية الإنبات، من اشتراك الأرض، والماء، والشمس وغيرها في هذه العملية.

وهنا يحاول الأب أن يبرز جانب الغيب في هذه العملية، ويد الله التي تجلت في كل حركة من حركات هذا الكون، فيقول له: "يابني أرأيت لو أن الله قطع عنا المطر أيمكن أن يحدث تمثيل ضوئي؟ فيقول الولد: "لا فيقول له: "ألم تعلم أن الله إذا غضب على الناس منعهم القطر، وحرمهم الماء"؟ "فما الذي يجب أن يفعله الناس مع ربهم يابني؟"، فيجيبه الولد: "يجب عليهم أن يطيعوه ولايغضبوه وهنا حيث وصل الأب إلى ما يريده من إحساس الولد بأهمية طاعة الله وشكره لتدوم نعمه وفضائله، يعقب على ذلك ببيان سبل إرضاء الله، والحصول على مغفرته ورضوانه من خلال التزام منهجه، وأوامره، واجتناب نواهيه، وما يسخطه. فإن سأله الولد على سبب إغداق النعم على غير المسلمين رغم عصيانهم لله ومخالفتهم لمنهجه، فإنه يبين له أن هذا من سنن الله عز وجل مع الناس الذين لاخلاق لهم في الآخرة، فإن الله يمدهم بالنعم في الدنيا حتى إذا فرحوا بها جاءهم الهلاك العام والدمار والخسف في الدنيا والآخرة، ويتلوعليه قوله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44].

وبهذا البيان المستمر يكون الأب قد ركز في نفس ولده معرفة نعم الله U، وواجبه تجاه الله بالشكر والحمد والإستقامة، ورد شبهة كانت يمكن أن تشوش عليه يقينه وثقته بربه سبحانه وتعالى.

ويستعين الأب ببعض الكتب الجيدة المؤلفة في هذا الجانب فيقوم بتلخيص بعض موضوعاتها، ثم يعرضها على الأولاد بعبارة سهلة من وقت لآخر، ومن هذه الكتب: "التبيان في علوم القرآن" لابن القيم، وكتابه أيضا "مفتاح دار السعادة" حيث تحدث في بعض أجزاء هذين الكتابين عن عجائب خلق الإنسان، والحيوان، والكون، مبينا بأسلوبه الفريد فضل الله ونعمه على خلقه، وعظيم قدرته. والأب يستفيد من هذين الكتابين وغيرهما من الكتب في هذا المجال، ويحاول أن يبسط هذه المفاهيم والتصورات لولده ليستفيد منها.