الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأسرية للطفل @ 11ـ تعامل الطفل مع الخدم
يتأثر الأولاد بالأسلوب والطريقة التي يُعامل بها الخدم في البيت، فإن كان أسلوب التعامل معهم هو الاحتقار والسخرية والاستعلاء عليهم لفقرهم وحاجتهم أو لاختلاف جنسياتهم، فإن الأولاد قطعاً يسلكون نفس الأسلوب والطريقة في معاملتهم، إذ إن تعصب الآباء على من يختلف عنهم وإظهار ذلك أمام الأطفال، ولو بكلمة عابرة، أو استهزاء، فإن الأطفال يكتسبون ذلك ويدركونه سريعاً فيرى الطفل غير المؤدب يشتم الخادم، ويستهزئ به، ولا يقيم له أي احترام أو تقدير، حتى وإن كان كبيراً في السن.
وقد اهتم الإسلام بموضوع الخدم، خاصة المماليك منهم، ووضع الضوابط الشرعية والأخلاقية للتعامل معهم وحفظ حقوقهم فإن كانوا مسلمين فهم إخوان لهم في العقيدة، ولكنهم تحت إمرة أصحاب البيوت، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: ((هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم)) فصاحب البيت مأمور بأن يطعمهم ويكسوهم، ويتلطف في تكليفهم بالأعمال. وإن من أعظم الأعمال تكليفاً الصبر على الإساءة والإهانة، وسوء المعاملة، فإن الرسول r نهى عن ذلك بل وأمر من لطم خادمته أن يعتقها، وعندما رأى أبا مسعود t يضرب مملوكه قال له: ((لله أقدر عليك منك عليه))، ولا يكتفي عليه الصلاة والسلام بذلك ؛ بل عندما سئل كم يتجاوز الرجل عن خادمه؟ أجاب عليه الصلاة والسلام فقال: ((كل يوم سبعين مرة)).
وهذه التوجيهات النبوية وردت في المماليك الذين يعدون من متاع الرجل وأملاكه، حيث يتصرف فيهم بالبيع والشراء كيف يشاء، ويعاشر الإناث منهم معاشرة الأزواج فيطؤهن دون عقد أو خطبة، فإذا كانت التوجيهات النبوية بهذه الصفة في حق هؤلاء المماليك الذين هذا حالهم، فإن خدم اليوم ليسوا كذلك؛ بل هم من الأحرار، وحق الحر أعظم بلا شك من حق المملوك؛ لهذا كان الاعتناء بخدم اليوم، ومعرفة حقوقهم يعد أمراً هاماً.
ولا يعني الاهتمام بهم التباسط معهم ورفع الكلفة؛ بل المقصود رحمتهم، والمحافظة على كرامتهم، ودعوتهم إلى الخير بالقدوة والتوجيه.
والأب المسلم يقتدي برسول الله r في معاملة الخدم ليكون لأولاده قدوة صالحة في ذلك، فهذا أنس بن مالك t يصف معاملة الرسول r فيقول: ((فخدمته في الحضر والسفر، فوالله ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا؟)) وهذا لا شك مستوى عال رفيع في أسلوب معاملة الخدم، ومثال عظيم يحتذى له.
كما أن هذه الرحمة بالخدم لا تعني السكوت عن أخطائهم وانحرافات بعضهم فإن صدر عنهم شيء مخل بالأخلاق أو الآداب وعظوا ونبهوا وأخذ على أيديهم، وهذا من مسؤوليات رب الأسرة فلا ينبغي له أن يهمل أو يقصر في ذلك، إذ إن الخدم يعيشون معهم في البيت، وسلوكهم يؤثر سلباً أو إيجاباً على الأولاد، فالخادم غير المؤدب، قبيح الألفاظ يعلم الأولاد سوء الألفاظ، وقبيح القول، كما أن الخادم الحسن السيرة والمؤدب في سلوكه وأقواله يؤثر على الأولاد تأثيراً طيباً. وذلك لأن الخدم عادة يقضون وقتاً طويلاً مع الأولاد، خاصة إن كان الخادم صغيراً في السن.
ويفضل للأب أن يقلل من احتكاك الولد بالخدم قدر المستطاع، فإن الخدم عادة يقل بينهم الصالحون، ويكثر فيهم الجهل، وتكون الفائدة من الاحتكاك بهم قليلة جداً، إن لم تكن معدومة، لهذا يُنصح الأب بعزل الولد عنهم قدر الإمكان، خاصة الإناث منهم، وعليه أن يستبعد الفاسد منهم، ولا يتهاون في ذلك، فخطرهم - كما تقدم - على الأولاد كبير ولا يعتذر بأنه جيد الخدمة، ومتقن لعمله فإن احتمال إفساده لأخلاق الأولاد أعظم بكثير من الإخفاق الذي يمكن أن يحصل في المنزل بسبب إخراجه والاستغناء عن خدماته.
ويعلم الأب أولاده أسلوب التعامل مع الخادم، فإن كان كبيراً نادوه بـ"عم"، وإن كان صغيراً نادوه باسمه، ولا يسمح لهم بأن يستخدموه في شؤونهم البسيطة: كجلب الماء للشرب، أو حمل الحقيبة إلى المدرسة، أو خلع النعال، أو غير ذلك من الشؤون التي لا يليق بالخادم القيام بها مع الولد الصغير الذي يمكنه أن يتولاها بنفسه. وهذا الإجراء يؤدب الولد على احترام غيره، حتى وإن كان الخادم، ويعلمه أيضاً الاعتماد على النفس.
ويراعي الأب عند اختياره للخادم أن يكون كبيراً في السن، فالكبير أعقل وأكثر ضبطاً لأفعاله وسلوكه، ويراعي أيضاً تدينه، وأداءه للصلاة، واستقامته، وأن يكون من المتزوجين. ولا بأس أن تعمل زوجته خادمة لأهل البيت إن كانت هي الأخرى من المستقيمات، والمتقيدات بالأحكام الشرعية، والحجاب، فيخصص لهما الأب مكاناً منعزلاً في المنزل.