الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأسرية للطفل @ 2ـ أخلاق الطفل مع الأخوة والأخوات


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 4574
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

2 - أخلاق الطفل مع الإخوة والأخوات

يمتد دور الأب ومسؤوليته مع الأولاد ليشمل تقوية أواصر المحبة والتآلف بينهم، ونبذ الشحناء والتباغض إذ إنه كثيراً ما تحدث الشحناء، والغيرة، والتنافس، والحسد بين الإخوة والأخوات.

وقد جاء في السنة المطهرة ذم الحسد وبغضه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال العشب))، فالولد الذي يتربى مع إخوته في جو مليء بالتوتر والتنافس الشديد، والحسد، والبغض، يصعب عليه عند كبره أن يتخلص من هذا الوصف المذموم، فربما تأصل فيه هذا الداء، فيأكل حسناته ويفنيها وتتعذب نفسه وترهق؛ لهذا كان دور الأب مهماً في التخفيف من حدة التوتر والغيرة بين الأولاد؛ إذ إن إزالة الغيرة والحسد بالكلية من الأطفال لا يمكن أن يتم، وذلك لأن الحسد مخلوق وموجود في أعماق النفس لا يمكن استئصاله بالكلية، يقول الحسن البصري فيما نقله عنه ابن الجوزي رحمهما الله: "ليس من ولد آدم أحد إلا وقد خلق معه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا فعل لم يتبعه شيء"، فلا يمكن إزالة الحسد والغيرة من نفوس الأولاد بالكلية، إنما دور الأب التخفيف من حدتهما، آخذاً بالوسائل والأساليب التربوية الجيدة في ذلك.

ويعتبر نجاح الأب في تدريب الأولاد على العيش معاً في جو من الوئام والتآلف مؤشراً جيداً لإمكانية نجاح هؤلاء الأولاد في العيش مع غيرهم في المجتمع عندما يخرجون للحياة العامة، فالأسرة مجتمع صغير يتدرب فيه الأولاد على أنماط مختلفة من السلوك، والممارسات، والعلاقات بين الأفراد.

ولما كان للمولود الأكبر أهمية في إصلاح باقي الأولاد فإن اهتمام الأب به يجب أن يكون كبيراً، فلا يجعله محط تجارب يمارس معه أساليب مختلفة من التربية - كما هو الحاصل في كثير من الأسر- بل يوطن نفسه في بداية الأمر على اتخاذ المنهج الإسلامي في تربيته وتنشئته.

وكثيراً ما يبدأ بغض الولد الكبير لأخيه الصغير عندما يجد أن الاهتمام من الوالدين قد اتجه نحو أخيه الصغير، ولم يعد هو محط نظر أو اعتبار، فيلجأ إلى الانطواء على النفس، أو البكاء، أو التبول غير الإرادي، أو ربما ادعى المرض والألم؛ ليجذب نظر والديه إليه، فهذه الأحوال لا ينبغي أن يساق الولد إليها؛ بل ينبغي أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث مثل هذا، فيذكر له أثناء الحمل محاسن الطفل الجديد، وأنه قادم ليلعب معه إذا كبر، وأنه يحبه… فيحاول الأب أن يشعره دائماً بموالاة الطفل الجديد وحبه له، فإذا ولد بالمستشفى وقرر جلبه إلى البيت يستحسن ألا يكون الولد الكبير موجوداً في البيت وذلك لئلا يصطدم بالاهتمام البالغ الذي يلقاه أخوه عند قدومه، خاصة وأن الوالدين مرتبكان بتجهيزه وتهيئة مكانه. ولكن يؤتى بالولد الكبير بعد استقرار الوضع وسكونه، فلا يشعر بالتغيير.

ومن أساليب تحبيب الولد الأكبر في المولود الجديد عند أول لقاء بينهما توضع في يد المولود قطعة من الحلوى، فيقال: "انظر ماذا يعطيك أخوك" "إنه يعطيك حلوى، إنه يحبك" وبهذا الأسلوب تبدأ علاقة الولدين بداية حسنة يرجى بعدها أن لا تحدث بينهما مصادمات كبيرة أو شقاق دائم.

ولا ينبغي أبداً الاطمئنان لسلوك الولد الأكبر مع أخيه، حتى وإن لم تصدر عنه مظاهر تدل على غيرته؛ لأن الغيرة موجودة فيه، بل إن بعض رجال التربية يعد عدم إظهار الطفل لغيرته من إخوته أمراً يحتاج فيه الطفل إلى معالجة ومساعدة.

وإذا أظهر الولد غيرة من أخيه الصغير، وحاول إيذاءه، أو الانتقام منه، وجب تحذيره من ذلك، وإفهامه أنه سوف يعاقب إن أضر بأخيه، فإن هذا الأسلوب يخفف من حدة غضب الولد الأكبر وغيرته.

ولا بد أن يفهم "أن الطفل، سواء أكان المولود الأول أم المولود الثامن، بطبيعته يريد أن يستحوذ على كل شيء، إن الأطفال يريدون كل العطف، وكل اللعب، وكل الامتيازات وكل الاهتمام". فإذا رأى الطفل أن بعض الاهتمام والامتياز انصرف إلى غيره من الإخوة غار وغضب وليس أمام الأب المسلم لحل هذه المشكلة سوى الاجتهاد في توزيع حبه وعطفه على جميع الأولاد بالتساوي، وقبولهم جميعاً على علاتهم، ولا يفرق بينهم، حتى وإن أظهر بعضهم أدباً أكثر من الآخرين، ولا يعقد بينهم المقارنات، إذ إن عقد المقارنات بين الأبناء يزيد من تنافسهم وغيرتهم من بعضهم البعض، ويربي فيهم الأحقاد والضغائن، ولا فائدة من وراء ذلك.

والحل الصيحح لتنفيس غضب الأطفال، ومشاغباتهم، هو عقد المنافسات البريئة بينهم، مثل المسابقات الثقافية، أو الرياضية، أو غيرهما من مجالات التنفيس النفسي، فيعد لهم الأب أسئلة ثقافية توافق أعمارهم ويطرحها عليهم، ويكافئ الذي يجيب كما يمكنه عقد المباريات في كرة القدم، أو الطائرة، أو العدو، أو غيرها من الألعاب الرياضية والمنفسة للطاقات، وتكون هذه المسابقات والألعاب بصورة مستمرة وفي أوقات منتظمة يومياً.

وبهذه الوسيلة يكون الأب قد استنفذ طاقات الأبناء فيما يعود عليهم بالفائدة، ويكفهم عن المشاغبات والمشاكل، فإن السلوك العدواني عند الأطفال يظهر عندما تكبت وتقيد الحركات البدنية، خاصة وأن الأطفال لديهم طاقات جسمية كبيرة.

وكثيراً ما يتنازع الأولاد على الألعاب، فليس من الحكمة أو الصواب أن يفرض على الولد السماح لأخيه باللعب معه خاصة إن كان الولد غير راضٍ بذلك؛ إذ إن هذا الفرض يزيد من أنانية الولد وحقده على أخيه، وربما سبب له رد فعل سيء؛ والمفروض أن تنبعث الرغبة في المشاركة واللعب من نفس الولد دون فرض أو قهر، فتكون عادة مستقرة في نفسه لا تكلف فيها.

ويضاف إلى موضوع الألعاب عدم اختيار ألعاب للأولاد من نفس النوع، فكثير من الآباء يظنون أن اختيار الألعاب من نفس النوع للأولاد يجعلهم راضين مقتنعين بذلك ويحسون بالعدل والمساواة. والحقيقة أن هذا الاختيار المتشابه والمتساوى للألعاب ربما دفع الولد إلى محاولة معرفة الفرق بين اللعب حتى وإن كان بسيطاً لا يلاحظ إلا بالدقة، فينتج من جراء هذا نزاع وفرقة. والأفضل في هذا أن يختار لكل ولد لعبة تناسب سنه، مع إفهامه أنها تناسبه أكثر من غيرها، ويقنع بذلك.

وتكون الغيرة على أشدها في السن دون الخامسة، وذلك لأن الطفل لا يزال معتمداً على الأبوين ومحتاجاً إليهما. أما بعد سن التمييز في الطفولة المتأخرة، فإن الطفل يكون أقدر على فهم المعاني المجردة حول مراتب الأخوة، وصلة الرحم، ونبذ الخلافات والتقاطع.

وفي هذا السن يعمل الأب جاهداً على إبراز معاني الأخوة في الله، والحب فيه، إلى جانب أخوة الدم والمنشأ، فيعلمهم التأدب مع بعضهم البعض، واحترام الأخ الأكبر، وتقديمه عليهم، وينشر بينهم السلام، فإن السلام يزيد من الحب وعاقبته المحبة الموصلة إلى الجنة ورضوان الله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)). فإفشاء السلام بين الأولاد، ومتابعتهم في ذلك هو الطريق إلى التآلف بينهم وترابطهم.

وتعتبر الغيبة والنميمة من الأعمال الممقوتة، وكثيراً ما يلجأ إليها الأولاد فيذم بعضهم بعضاً عند الوالدين، وواجب الأب هنا هو كفهم عن ذلك، وعدم الاستماع إلى شيء من هذا الباطل، ويذكرهم بالله ويعرفهم بالغيبة، وما ورد في القرآن والسنة من مقتها وذمها حيث قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [ الحجرات: 12]، فهذا من أعظم الزجر عن هذا العمل القبيح والسلوك المنحرف، وفي الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله r: ((لما عرج بي ربي U مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم))، فهذه الآية وهذا الحديث وغيرهما إذا عرضت على الأولاد وشرحت لهم، فإنهم سوف ينفرون من هذا السلوك ويكرهونه، خاصة إن شعر أحدهم أنه يأكل لحم أخيه ويأتي يوم القيامة يخدش وجهه في منظر قبيح مرعب.

فإن حدث من الولد - بعد التنبيه والزجر- أن اغتاب أحد إخوته، أو ذكره بسوء، أمر بأن يعتذر له، ويتأسف لما بدر منه، فإن هذا الأسلوب ينتزع الغيبة انتزاعاً من الولد، لما في ذلك من الجهد النفسي الكبير الذي يقدمه الولد عندما يعتذر لأخيه عن خطئه. كما يؤمر بالإضافة إلى الاعتذار أن يدعو لأخيه ويستغفر له حتى يحس أنه قد كفَّر عن هذا الجرم. ولا بأس في بعض الأحيان أن يؤمر الولد بالصدقة إذا أخطأ أو أذنب، ويراعي الأب في كل هذا أن يكون هو قدوة صالحة لأولاده فلا يسمعون منه غيبة، أو ذكراً سيئاً عن أحد.

وليس من المستحسن أن يبقى الأولاد طول الوقت مع بعضهم البعض في مكان واحد، فإن هذا - بلا شك- يزيد من منازعاتهم ومشاكلهم؛ بل الأفضل هو تفريقهم في بعض الأوقات ليشتاقوا إلى بعضهم البعض، فهذا سلوك عمر بن الخطاب t مع أولاده، فقد كان يقول لهم: "إذا أصبحتم فتبددوا، ولا تجتمعوا في دار واحدة، فإني أخاف عليكم أن تقاطعوا، أو يكون بينكم شر" وهذا من فقه عمر t وبعد نظره، إذ  فهم أن بقاء الأولاد في دار واحدة يكون مدعاة للتناحر والتقاطع لكثرة تنازعهم، فأمرهم بالانتشار والتبدد. والأب المسلم يمكنه أن يأخذ بهذه الوصية ويطبقها على أولاده، فيجعل لكل واحد منهم غرفة تخصه، فإن لم يتمكن من ذلك قسم الغرفة بطريقة هندسية إلى عدة أقسام، حتى وإن تطلب الأمر جعل الغرفة دورين مستعملاً الخشب أو غير ذلك من المواد، ثم يخصص لكل واحد منهم مكانه وزاويته التي تخصه.

كما يمكنه في بعض الأوقات اصطحاب بعضهم دون بعض عند الخروج للسوق، أو في زيارة بعض الأقارب، فإذا غاب بعضهم عن بعض في بعض الأحيان اشتاقوا ونسوا ما كان بينهم من خلاف وشجار.