الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأسرية للطفل @ 1ـ أدب الطفل مع الوالدين


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 8632
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

1 - أدب الطفل مع الوالدين

حب الوالدين واحترامهما ومعرفة قدرهما أمر واجب على الأبناء، فكما أن للعلماء حقوقًا واجبة على المسلمين، فكذلك على الأبناء حقوق واجبة للآباء، وذلك امتثالاً لأمر الله U حيث يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الاسراء:23-24]، وفي موضع آخر يقول الله U: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت: 8] والآيات في الأمر ببر الوالدين كثيرة، تبين عظم حقهما ومنزلتهما؛ فهما اللذان قدما كل شيء في سبيل سعادة الأبناء، فلو أصابت الابن شوكة تمنيا أنها فيهما وليست فيه، يتألمان بألمه، ويسهران لسهره في مرضه، ولا تقر أعينهما إلا بسعادته وراحته، لهذا فإن حقهما كبير وعظيم، ولا يمكن للأبناء مجازاتهما وإن حاولوا، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)) وأنى له أن يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه، فهذا هو الشرط الوحيد الذي يمكن أن يكون جزاء للوالدين في مقابل فضلهما وكرمهما، كما أن جميع الأعمال، أو الخدمات التي يمكن أن يقدمها الولد لوالده لا تكون جزاء يكافئ من التضحيات، وقد سئل معاذ بن جبل t عن حق الوالدين على الولد، فقال: "لو خرجت من أهلك ومالك ما أديت حقهما" فحقهما لا عدل له.

وقد جاء التحذير الشديد من عقوق الوالدين وإغضابهما، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء" لهذا كان لزاماً على الأب المسلم أن يحمي أولاده من هذا العقاب الشديد عند الله، بأن يربيهم تربية حسنة، فيعرفهم حدود الله، وأسباب غضبه ومقته، ويساعدهم ويعينهم على بره، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((رحم الله والداً أعان ولده على بره)).

ويضع الإمام الغزالي رحمه الله للوالد بعض الضوابط في تربية الأولاد ومساعدتهم حتى يكونوا بارين به غير عاقين له، فيقول: "يعينهم على بره ولا يكلفهم من البر فوق طاقتهم، ولا يلح عليهم في وقت ضجرهم، ولا يمنعهم من طاعة ربهم، ولا يمنن عليهم بتربيتهم " فالوالد لا يشتد مع ابنه ويختبر طاعته له بالامتحانات الشاقة، كأن يمنعه النوم في بعض الأوقات لإتمام عمل غير مهم، أو يكلفه من أعمال البر والملاطفة وخفض جناح ما يلغي شخصية الولد ومكانته، كأن يغضب إذا نسي الولد أن يقبل يده أو سها في أن يهيء له مجلسه، أو يقرب له حذاءه، بل يحاول الأب أن يتغافل عن بعض زلات الولد، ولا يعاقبه إلا على الواجبات إن قصر فيها، أو الأخطاء الكبيرة، كأن يسيء الأدب معه، أو يرفع صوته في وجهه، أو يسيئ أدبه مع الأم أو الجد أو الجدة.

وهذا هو منهج السلف رضوان الله عليهم فهذا خارجة بن مصعب رحمه الله ينصح الأب أن يسوق ولده إلى البر سوقاً رفيقاً، فيقول: "يعطيه ويحسن إليه حتى يبره"، وقال أبو الليث رحمه الله واصفاً حال بعض السلف في رحمتهم بأولادهم وحمايتهم من العقوق: "وكان بعض الصالحين لا يأمر ولده بأمر مخافة أن يعصيه في ذلك فيستوجب النار" وهذا فقه عظيم من رجال السلف رضوان الله عليهم إذ إن نظرهم أبعد من حدود هذه الدنيا وحبهم لأولادهم وإشفاقهم عليهم يتطلب مساعدتهم وعونهم على النجاة في الآخرة قبل كل شيء، فلا يكلفونهم ما لا يطيقون من الأوامر، بل يفكر أحدهم قبل الأمر: "هل سيطيق الولد ذلك أم يعجز عنه فأسوقه بنفسي إلى التهلكة؟" وبقدر ما يجاهد الوالد نفسه في مساعدة أولاده وتوفيقهم إلى البر؛ بقدر ما يجني في المستقبل من إحسانهم له وبرهم به؛ فإن الآباء عادة لا يتكلفون الإحسان لأولادهم لأن القضية فطرية مركوزة في قلوبهم: "أما الولد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولي الذاهب في إدبار الحياة، بعد ما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة"، لهذا جاءت التوجيهات القرآنية آمرة الأبناء بالإحسان إليهم.

أما الآباء فما وقر في نفوسهم من العواطف الجياشة، والميل الفطري كاف لتوجيههم ولفتهم لرعاية أبنائهم، فقلت بناء على ذلك التوصية ببر الأبناء.

ومما جاء في السنة من تعظيم حق الوالد أن مال الولد لأبيه، وأن للأب أن يأكل منه، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" وقال لمن شكا أباه: ((أنت ومالك لأبيك))، ففي الحديث دليل على أن للوالد الحق في أن يأخذه من ماله فهو من كسبه، وهذا جائز حتى وإن كان الأب غير محتاج إلى المال، على أن يراعى عدم مضرة الولد بأخذ بعض المال، وأن لا يأخذه فيعطيه غيره من الناس، كما أنه لا حد على الوالد لولده مطلقاً لعظم حق الأب ومنزلته، فإن سرق مال  ولده لم تقطع يده، وإن كان للولد على أبيه دين لم يطالبه به، وإن قذف الأب ولده لا يُحد ولا يُجلد، ولو أن الوالد قتل ابنه فإنه لا يقتل به. أما لو حدث العكس فقتل الابن والده قتل الولد حدًا لعظم حق الأب ومكانته، وهذا الفقه مبني على قوله r: ((لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده)).

ومما سبق يتضح عظم حق  الوالدين، ومنزلتهما في الشريعة الإسلامية، وأنهما غير متهمين في أولادهما، فمهما فعلا مع أولادهما يؤخذ على حسن النية وسلامة الطوية، إذ إن عاطفتهما كفيلة بمنعهما من قصد الإضرار بهم أو إيذائهم؛ فإن قصد إيقاع الضرر بالأولاد لا يمكن أن يحدث إلا عند فساد الفطرة وانحرافها بالكلية.

وهذه القضايا والحقوق لا يمكن أن يفهمها الولد الصغير، ويدرك أبعادها من خلال التوجيه والإرشاد النظري فقط، خاصة إن كان الولد دون سن التمييز، بل إن الإرشاد العملي التطبيقي أمام الولد أكبر تعليم، وأفضل بيان، فالوالد الذي يقبل والده ووالدته في يديهما ورأسيهما أمام نظر الولد، يُعلِّم الولد هذا الفعل ويدربه عليه عملياً. كما أن الظهور أمام الوالدين بمظهر الذل والخضوع لهما، وتنفيذ أمرهما وتوقيرهما، كل هذا يوقع في نفس الولد عظم منزلة الوالدين ومكانتهما.

كما أن تعريف الولد بحق والديه، وأن رضاهما من رضا الله U، وأن غضبهما من غضبه I، يحي في قلبه الخشية من العقوق، كما أن تعريف الولد وإطلاعه على أجر بر الوالدين ومنزلته عند الله، وأن جزاءه الجنة، وأن عصيانهما سبب لمقت الله ودخول النار، له دوره أيضاً في تركيز معاني بر الوالدين في نفسه، فيعيش الولد بين الخوف والرجاء والترغيب والترهيب، فإن عصى أو عاند بذلك، ليراجع نفسه، ويقلع عن خطئه.

ولتعريف الولد جهد والديه معه، وما قدماه من الخدمات الجليلة له في حضانته وتربيته عندما كان صغيراً لا يعقل، فإن الأب يلفت نظره إلى المعاناة التي يلقاها الوالدان مع أخيه الرضيع، وكيف تسهر الأم تطعمه وتنظفه، وإن مرض لم تفارقه حتى يبرأ، وكيف أن الوالد يسارع بحمله إلى المستشفى لعلاجه عندما يشعر بوعكة أو ألم. كل هذه المواقف يشعر بها الولد المميز ليدرك عظم حق والديه، والجهد الذي قدماه له، فيحس في نفسه بواجب الشكر والتقدير على هذه الفضائل الأبوية العظيمة.

وللقصة وقعها في نفس الولد، فإن الأطفال يحبونها ويتأثرون بها، فيمكن للوالد اختيار بعض القصص التي تبرز جانب بر الوالدين، وكيف كانت عاقبة العاق لوالديه حيث قيض الله له من ولده من يعقه عند كبره فلقي جزاء بالمثل، كما أن الولد المطيع لوالديه، البار بهما سخر الله له من ولده من يبر به، ويطلب رضاه، فكان جزاؤه بالمثل للمحسن الإحسان، وللمسيء الإساءة، وعند سرد القصة يكثر الأب من الثناء على الطفل البار، ويذم الطفل العاق، ليقع في نفس الولد حب هذا، وبغض الآخر.

ولما كانت منزلة الأم عظيمة تفوق منزلة الأب، فإن توجيه الولد لأخذ رضا الأم أمر هام، فيأمره الأب أن يقبل يدها في كل صباح ويسلم عليها، وفي بعض الأوقات والمناسبات يقترح عليه أن يهدي لوالدته هدية مناسبة، فيعطيه بعض النقود ليختار لها هدية تناسبها، ويحاول الأب أن يوجد في نفس ولده التعظيم للوالدة ويبين له حقها ومنزلتها، وينبهه على ذلك دائماً، كأن يقول له: "هل أغضبت أمك اليوم؟"، "ماذا فعلت اليوم لتكسب رضاها"، "هل دعوت لها"، وهكذا يتابعه في ذلك ليشعر ويحس بمنزلتها.

ولا شك أن الوالدة أيضاً مأمورة ومدعوة لتعظيم حق الوالد في نفس الأولاد، وإبراز دوره، وإيجاد المهابة له في قلوبهم على أن يكون ذلك في غير رعب أو شدة أو قسوة، فإن قصرت في ذلك ذكرها الأب ونبهها.

ويحاول الأب قدر المستطاع أن يجنب أولاده سماع النزاع أو الشجار بينه وبين الأم، فإن هذا يؤلمهم، إلى جانب أنه يضعف الثقة بهما، لما يرونه من التناقض بين التوجيهات التي يسمعونها منهما، وبين سلوكهما تجاه بعضهما البعض.