الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأخلاقية للطفل @ 24ـ مقترح لحل مشكلة التلفزيون


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1427
عدد القراء: 5503
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

24 - مقترح لحل مشكلة التلفزيون

لقد انعقد إجماع معظم المهتمين بالتربية من المسلمين وغيرهم على أن للتلفزيون أضراراً خطيرة على الأطفال، غير أن بعض الآباء والمعلمين يرى وجود بعض الفوائد للطفل، مثل: الحصول على معلومات جديدة، وتوسيع الأفق، وهذا حق، ولكن كثرة الباطل تذهب بما يظن به الخير، ومن المعروف من مقاصد الشريعة عند الأصوليين أن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة، كما أن هذه المعلومات، والمعرفة التي يمكن أن يتحصلها الطفل من بعض برامج التلفزيون لا تزيد في معلومات الطفل الذكي الواسع الأفق، إذ يمكن أن يتحصل عليها من مصادر أخرى، أما الطفل القليل الذكاء الضيق الأفق، صغير السن، هو الذي يمكن أن تفيده هذه المعلومات التلفزيونية شيئاً جديداً لا يعرفه، ولا يمكنه تحصيله عن طريق آخر.

ومما لا شك فيه أن هذا الجهاز في طبيعته محايد ذو حدين، إذ استعمل في الخير أفاد ونفع، وإذا استعمل في الشر أضر وأفسد وواقعه الحالي أنه مستغل استغلالاً كاملاً لحساب الشر والباطل، إلا في جانب يسير منه، وعبر بعض القنوات الإعلامية القليلة.

فلو استعمل التلفزيون لنشر الخير والحق لأفاد الأطفال بتقريب الإسلام ومفاهيمه العظيمة إلى أذهانهم، مستغلاً في ذلك التمثيلية الهادفة ذات القصة الواقعية، أو التاريخية، التي تبرز الجوانب المشرقة لتاريخ المسلمين وأبطاله، أو إبراز بعض الآداب الإسلامية والخلقية كالأمانة، والصدق، والصبر، والتضحية، والإيثار، من خلال مواقف القصص والروايات الهادفة، كما يمكن الاستفادة من حب الأطفال للرسوم المتحركة في استغلالها وتسخيرها لنشر الوعي الإسلامي، وبعض الآداب الإسلامية بين الأطفال الصغار، فقد دلت بعض الدراسات على "أن التلفزيون قادر على تعليم الأطفال السلوك الاجتماعي الذي يقدره الآباء" فإذا عرض برنامج يتضمن مفاهيم حول التعاون مثلاً، فإن الأطفال الذين يشاهدون هذا البرنامج يتأثرون بهذا المفهوم أكثر من الأطفال الذين لم يشاهدوه وهذا يدل على قدرة هذا الجهاز الفائقة على التأثير والتوجيه.

كما يمكن من خلال هذا الجهاز توحيد الأفكار، والمشاعر، والعادات، والتقاليد، وأنماط السلوك، والقيم، لأن آلافاً من الناس يشاهدونه ويتعرضون لنفس المؤثرات.

كما يمكنه تعريف الطفل بأحوال المسلمين في العالم، وطبيعة حياتهم ومشاكلهم، ليتقوى لديه جانب الأخوة في الله، ويتركز في نفسه الانتماء إلى الوطن الإسلامي الكبير.

ويضاف إلى هذا برامج أخرى مكملة كالمحاضرات والندوات العلمية المتنوعة والتي تديرها شخصيات إسلامية مختلفة، إلى جانب عرض الأفلام والبرامج العلمية التعليمية الهادفة، وغير ذلك من مواد الانتاج الإعلامي التي لا تتعارض مع مفاهيم الإسلام العامة، مع عدم إغفال الجانب الترفيهي في حدود الآداب الإسلامية.

فلو توجه الإعلام في البلاد الإسلامية بفروعه المختلفة - وعلى رأسها التلفزيون- نحو الالتزام بمنهج الإسلام فيما يعرض، ويسمع ثم تعاضدت معه المؤسسات التربوية الأخرى كالأسرة، والمسجد، والمدرسة لتغير وجه الدنيا في زمن قصير لا يزيد على جيل واحد، يتربى على منهج التربية الإسلامية، ويعيش بالإسلام قولاً وعملاً، اعتقاداً وتطبيقاً، فيثقل وزنه ويثبت على الأرض فلا يتمكن سيل الانحراف الجارف من حمله غثاء كما حمل بعض الأجيال السابقة.

ولكن ريثما يحدث هذا التوجه الإعلامي الشامل نحو التزام منهج الإسلام في البرامج التلفزيونية، فإن الحل الأمثل والمؤقت للأب المسلم لحماية أولاده من مفاسد هذا الجهاز بوضعه الحالي هو إقصاؤه بالكلية من البيت طاعة لله U الذي يأمر المؤمنين بقوله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النــور:30]، وطاعة لرسوله r الذي يقول في نظرة الفجأة: ((اصرف بصرك))، ثم يمارس ذلك عملياً عليه الصلاة والسلام مع الفضل بن العباس رضي الله عنهما عندما جاءت المرأة الخثعمية تسأله، والفضل t ينظر إليها والرسول r يصرف وجهه نحو الشق الآخر محافظة على ابن عمه، وحماية لقلبه من النظر المحرم، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله: "البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته. ووجب التحذير منه، وغضُّه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله"، ويقول الإمام الزهري رحمه الله في النظر إلى البنت الصغيرة التي لم تحض بعد: "لا يصح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة"، فكيف بالكبيرات اللاتي يظهرن على الشاشة في كامل الزينة والجمال؟ يقول ابن تيمية رحمه الله: "المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل، ولهذا خصت بالاحتجاب، وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل. لأن ظهور النساء سبب الفتنة"، ويقول تلميذه ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر خطر الزنا، قال: "ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدماً على حفظ الفرج، فإن الحوادث مبدؤها من البصر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر" وينقل عن بعض السلف أن المرأة كلها عورة حتى ظفرها ولعل هذا القول هو الأحوط في حدود حجاب المرأة وذلك لكثرة الفتن في هذا الزمان.

وبناء على هذه الأدلة وغيرها في هذا الباب يتضح بجلاء حرمة النظر إلى عورات النساء على الطبيعة، أو على شاشة التلفزيون، فلا يجوز للأب المثول أمام هذه الشاشة، أو تمكين أولاده من ذلك أثناء عرض برامج تظهر فيها عورات النساء، أو يرى فيها المنكر من الرقص الماجن، أو شرب الخمر، أو غير ذلك من المحرمات.

وقد أفتى الشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله بحرمة اقتناء التلفزيون بوضعه الحالي، فقال: "إن اقتناء التلفزيون، والنظر إليه، والاستماع إلى برامجه الحالية يعد من أكبر الحرام، وأعظم الإثم" وبنى رحمه الله فتواه هذه على الأدلة الشرعية الكثيرة المتعلقة بالنظر إلى المحرمات، وعلى استحالة إمكانية التحكم في عرض البرامج النافعة دون الضارة منها، وأن هذا لا يمكن تحقيقه في الواقع، وقد صدرت فتاوى مشابهة تفيد حرمة النظر والاستماع إلى المحرمات والمنكرات التي تعرض في التلفزيون، حيث أفتى بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ومجموعة من المشايخ التابعين لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.

وليس غريباً أن تصدر الفتاوى الصريحة ضد برامج التلفزيون من علماء الأمة المخلصين، خاصة وأن بعض رجال الغرب من العقلاء، قد نادوا بمثل ذلك، فبعضهم بالتقليل من مشاهدته ويضع الوسائل لذلك، وبعضهم يحذر من خطورته كما تقدم، وبعضهم زاد على ذلك بأن يوصي بإلغاء التلفزيون بالكلية كجهاز معتقداً عدم إمكانية إصلاحه، فيقول جيري ماندر في كتابه: "أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون": "ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيوترونية، ولكننا نستطيع أن نقول (لا) للتلفزيون، ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة حيث يجب أن تكون.. إن التلفزيون لايتقبل الإصلاح عادة، إن مشاكله كامنة في التقنية نفسها تماماً كما أن العنف كامن في البنادق، ولا يستطيع خبراء التلفزيون تغيير ما يمكن أن يخلفه الجهاز من تأثيرات على مشاهديه، هذه التأثيرات الواقعة على الجسد والعقل، لا تنفصل عن تجربة المشاهد".

وهذه التوصية التي وصل إليها هذا الباحث الغربي إنما صدرت عن تجربة وبحث طوال خمس عشرة سنة حيث ثبت عنده هذا اليقين فصرح به بكل شجاعة دون تردد، فكيف إذا ثبت الخطر والانحراف في برامج هذه الأجهزة عن طريق الوحي الإلهي المعصوم من الخطأ، فلا شك أن الوقع في نفس المؤمن من توجيهات الوحي أشد وأعظم، فكيف إذا قرن الوحي الصادق بالنتائج العلمية المخبرية المتواترة؟ فإن اليقين بذلك يتأكد فيزيد الاطمئنان إلى فتاوى علمائنا الكرام.

أما القول بأن ما يعرض على التلفزيون مجرد صورة لا تأثير لها، فهو قول ساقط لا يلتفت إليه، ولو صح لما كان هناك فرق بين المذياع والتلفزيون، ولم يكن له ميزة يتفوق بها، ولجاز النظر إلى المحرمات عن طريق المرآة، ولجاز أيضاً النظر إلى صور النساء الفوتوغرافية، ولا يمكن أن يقول بذلك عاقل.

ولا شك أن الأب الذي يقتنع بوجوب الاستغناء عن هذا الجهاز وقد تعلق أولاده به فإنه يواجه مشقة وعنتاً شديداً؛ إذ قد تعود الأولاد على مشاهدة برامجه ساعات طول اليوم، ولكن عزاءه الوحيد استحضار قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وقوله I: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:14-15]، فالأزواج والأولاد يمكن أن يكونوا وبالاً على الآباء يدفعونهم بعواطفهم الجياشة نحو ارتكاب المعاصي، والمحرمات، ولهذا حذر الله من الانصياع لأهوائهم وشهواتهم، ويقول في ذلك عليه الصلاة والسلام: ((الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة)) أي أن الذرية تسبب الحزن للأب لمرضها، أو موتها، وتسبب الجبن عن الإقدام والجهاد في سبيل الله، وتشغل عن العلم، وتمنع من الإنفاق في وجوه الخير والبر، فهم فتنة للأب في الدنيا يختبره الله بهم، ويبتلي إيمانه ويقينه ليعرف مدى حبه له U وهذه سنة الله في عباده المؤمنين يبتليهم ليختبرهم وليرفع منزلتهم، وقصة نبي الله إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام من أبرز الأمثلة الواضحة في بيان سنة الله U مع عباده المؤمنين المطيعين لأمره، حيث أبرزت هذه القصة كيف أن الله ابتلاه ورفع منزلته، ونجاه من أن يذبح ابنه بعد أن خلص قلبه لله، وثبت حبه وولاؤه لله وحده، وأعرض عن الشيطان ووساوسه التي يدخل بها على المؤمنين فلا بد للأب أن يتمثل هذه المواقف ويقتدي.

ومن وساوس الشيطان ومكره أن يحذر الأب بأن في استغنائه عن التلفزيون، وإقصائه لهذا الجهاز دفعاً للأولاد إلى وسائل الإعلام الأخرى، وربما جعلهم يتلصصون لمشاهدته عند الجيران، وهكذا حتى يثبطه عن عزيمته، ولكن لا بد أن يعرف الأب أن نتائج البحث العلمي أثبت أن "وجود التلفزيون يثير الاهتمام بوسائل الإعلام الأخرى"، كما أن عدم وجوده لا يثير هذا الاهتمام، فليس في عزله ضرر.

وربما دخل الشيطان على الأب من باب قيامه بتحذير الأولاد عند رؤية المناظر المخالفة للدين، وبيان حرمتها، وبذلك يكون قد أدى واجبه تجاههم، وقدم النصيحة المفروضة عليه وهذا يمكن أن يفيد فائدة لابأس بها إذا اقترن مع التحذير الإقلاع عن رؤية ذلك المنظر المخالف، وإغلاق الجهاز في الحال،،هذا الأسلوب ينصح به الأب كمرحلة وسط بين الانهماك مع هذا الجهاز، وإقصائه بالكلية إذ إن احتقار الوالد لأحد البرامج التلفزيونية ينقل هذا الاحتقار بحيث يصبح موقفاً للابن من هذا البرنامج، إن الابن يتعالى بدوره عن مشاهدة أي شيء لا يرضى عنه والده".

أما تحذير الأولاد من المناظر المحرمة، ومنعهم من رؤيتها دون إقلاع الكبار عنها، بل يصاحب ذلك عكوفهم المستمر، وانسجامهم، وانهماكهم معها، فإن هذا السلوك المتناقض يسبب في نفس الولد -خاصة الصغير- خلخلة؛ إذ لا يفهم ولا يستطيع أن يدرك كيف ينهى هو عن هذه المشاهد ويسمح لغيره؟ وإذا كانت هذه المناظر ضارة بالصغار فكيف تكون نافعة للكبار؟ كما أن هذا الأسلوب الخاطئ يزيد من شوق الولد ورغبته في رؤية هذه البرامج التي منع منها حباً للاستطلاع، ورغم الخطأ الواضح في هذا الأسلوب إلا أنه يقع أحسن بكثير من أسلوب الأب الذي يبين للأولاد الفساد في بعض البرامج، والانحراف فيها، ثم يسمح لنفسه، ولأولاده بمشاهدتها والعكوف عليها، وهذا الأسلوب الأخير من أخبث الأساليب وأضلها، وأفتكها بشخصية الولد؛ إذ يتعلم جواز مخالفة القول للعمل، ومشروعية النفاق فضلاً عن المخالفات الشرعية التي يشاهدها على الشاشة مع أهله ووالده.

وهذا من العمى الذي ابتلي به بعض الناس؛ لغلبة الشهوة على النفوس، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام مبيناً مدى أثر حب الشيء على العقل والفكر: "حبك الشيء يصم ويعمي".

والواجب على الأب إن كان قد تزوج حديثاً أن لا يكون التلفزيون من بين مستلزمات فرش المنزل، وذلك حفاظاً على نفسه، وأهله، وذريته.المنتظرة أما إن أتى به، أو أدخل عليه رغماً عنه، فعليه أن يسارع بالتخلص منه قبل أن يكبر الأولاد ويتعلقوا به فيصعب حينئذ اتخاذ القرار الحاسم.

أما إن جاء قرار الأب بعزل هذا الجهاز متأخراً، بحيث قد تعلق الأولاد به، وشغفوا بحبه، فإن الحكمة مطلوبة في أسلوب إعلان قرار الإلغاء وتطبيقه، إذ إن الاستعجال في تنفيذه دون تهيئة الأولاد لذلك ربما سبب ازعاجاً لهم، وشعوراً بالحرمان، فهم لا يدركون كيف يباح لهم الاستمتاع بالمشاهدة في الأمس القريب ثم يحرم عليهم اليوم. فالتغير الذي حدث في نفس الوالد تجاه التلفزيون لم يحدث في نفوس الأولاد بعد، لهذا فإنه لا بد من التدرج.

وهذا النوع من القرارات العاجلة عادة لا ينجح إلا في الأسر المترابطة، ذات العلاقات العاطفية القوية، والصلة الأبوية المتينة، والحب العميق المتبادل بين الأب والأولاد، بحيث لا يستطيع الأولاد تحت الضغط العاطفي، والحب المتبادل عصيان أبيهم بل يسارعون بالاستجابة ويتصبرون، ثم سرعان ما يتعودون على نمط الحياة الجديدة، ويستقيمون مع الفطرة، ومنهج الإسلام الصحيح، ذلك لأن الطفل سريع التأقلم والتغيُّر.

أما أسلوب التدرج الراجح في حل هذه المشكلة، فإن الأب هو أدرى الناس بتحديد مراحله الزمنية، وخطواته التطبيقية بانياً ذلك على خبرته ومعرفته بأولاده، ومدى تعلقهم بالتلفزيون، ولكن وقوفه على بعض المقترحات في هذا الجانب يمكن أن يفيده ويعينه في مهمته الصعبة.

وأول خطوة تقترح بعد اللجوء إلى الله U وطلب العون منه: التقلل من مشاهدة التلفزيون بحيث لا يرى الولد أباه يشاهده إلا قليلاً، فإن كثرة أو ندرة مشاهدة الوالد للتلفزيون تؤثر على مدى مشاهدة الولد له، ويجعل الأب هذه الأوقات القليلة التي يخصصها لمشاهدة التلفزيون لصالح البرامج النافعة، كالندوات أو الأفلام العلمية أو النشرة الإخبارية وغيرها من البرامج التي يقل فيها الفساد. ثم يعقب هذه الخطوة بإشغال الأولاد عند بث البرامج المفسدة ببعض النشاطات المشوقة، كالخروج للنزهة، أو ممارسة نوع من الرياضة، أو الصعود إلى سطح المنزل لاستنشاق الهواء، أو أخذهم باستهواء إلى غرفة أخرى بعيداً عن التلفزيون والتحدث إليهم وملاطفتهم ومداعبتهم، وهذه من أعظم أساليب استهواء الأطفال، إذ أن أسعد أوقاتهم وأحبها إليهم تفرغ الأب لهم بعض الوقت، واستماعه لقصصهم، وما يرونه من أحداث، فلا بد للأب أن يستغل هذا الميل عندهم.

ثم يعقب ذلك إظهار الأب شيئاً من التذمر، وعدم الرضا عن بعض البرامج التلفزيونية السيئة، والإعراض عنها، كأن يخرج من الغرفة مثلاً مشعراً الأولاد بذلك، ويحاول من وقت لآخر أن يعلق على الفقرات التلفزيونية السيئة بشيء من البيان خاصة برامج الكبار، بحيث يبين انحرافاتها ومخالفتها للدين، وعدم الرضا عنها وأنه لا يليق بالمسلم مشاهدتها، ثم يتخذ بعد ذلك القرارات الجماعية بإغلاق الجهاز عند بث البرامج التي لا تخص الأولاد، ويكتفي بما هو مخصص لهم. فإذا سلك الأولاد هذا المرتقى الصعب وتعودوا مشاهدة ما يخصهم من البرامج فقط كأفلام الكرتون وبرنامج الأطفال، وما شابه ذلك دون الاهتمام ببرامج الكبار، فإن الأب بهذا الإنجاز يكون قد نجح نجاحاً كبيراً، وحمى أولاده من الخطر الأكبر، والمشكلة الأعظم، ويعزز الأب نجاحه هذا بمدح الأولاد وتقديم الهدايا التشجيعية لهم.

ثم يبقى على الأب بعد ذلك تزهيد الأولاد في البرامج المخصصة لهم، وفي هذا شيء من الصعوبة، أولاً: لتعلق الأولاد بهذا النوع من البرامج وثانياً: لصعوبة اقناعهم بفسادها، وذلك لأن فسادها -كما تقدم- مدسوس خفي لا يلاحظه أكثر الكبار فضلاً عن الصغار.

وفي هذه الحالة لابد من البدائل المشروعة، إذ ليس من المنطق والعقل منع الأولاد من متعة تعلقوا بها دون إبدالهم بغيرها، والمقترح هو استخدام جهاز الفيديو المتصل بجهاز التلفزيون في عرض بعض أفلام الأطفال العلمية، وأفلام الكرتون التي تنتجها بعض الهيئات الإسلامية، على أن يكون ذلك العرض في نفس الوقت الذي تبث فيه أفلام الكرتون التلفزيونية المعتادة، وبذلك يكون الأب قد منع أولاده من مشاهدتها بأسلوب سهل، وأفاد الأولاد ببعض المعلومات الجيدة من خلال أفلام الكرتون الجديدة التي لا تتعارض مع مفاهيم الإسلام؛ بل تبثها وتنشرها إلى جانب دعم هذه الهيئات الإسلامية المنتجة لهذه الأفلام، خاصة وأنها قليلة الانتشار، وضعيفة التموين.

وإذا لاحظ الأب على أولاده شيئاً من الملل لتغير طبيعة الأفلام. والبرامج عليهم، أو لضعف الإخراج، وقلة المادة الإسلامية المنتجة: فإن استخدام ألعاب الكمبيوتر الهادفة أو شيء من مواقع الانترنت الآمنة يمكن أن تسد هذه الثغرة، فهي مشوقة ومرنة، وسهلة الاستخدام فبإمكان الأب تزويد أولاده ببعض برامج الكمبيوتر المتضمنة لبعض الألعاب التي تعتمد على التوافق بين حركة العين واليد كسباق الحيوانات، أو معارك الدبابات والطائرات، أو التدريب على المرور بين الخطوط دون لمسها، أو غير ذلك من الألعاب.

ولا شك أن الفائدة التربوية من هذا النوع من ألعاب الكمبيوتر قليلة، وربما تكون معدومة، ولكن الأب يستغلها كخطوة أولى تدريجية نحو استخدام برامج الكمبيوتر التربوية والتعليمية الهادفة، كاستخدام برامج المسابقات التاريخية والسيرة النبوية، والمعلومات العامة، وبرامج التدريب على الحساب والرياضيات، وبرامج تعليم اللغة العربية، وغير ذلك من البرامج الهادفة التي تم إعدادها في أشرطة سهلة التناول ورخيصة الأسعار.

وبهذا الأسلوب التربوي يكون الأب قد حفظ أولاده من خطر التلفزيون بتزهيدهم في برامجه، وإعطائهم البديل النافع الذي يشغل وقت فراغهم ويمدهم بمعلومات جديدة مفيدة، ويعوضهم المعلومات التي يظن فواتها من برامج التلفزيون العادية. ولا بأس حينئذ بمصارحة الأولاد الكبار بحكم ما يعرض على التلفزيون من البرامج الصالحة وغيرها، وتزويدهم بفتاوى العلماء في ذلك ليكمل يقينهم.

فلو قرر الأب بعد هذا المشوار التربوي الشاق أن يستغني عن التلفزيون ويقصيه بالكلية من المنزل، فالمتوقع أن يكون قراره هذا جماعياً يشاركه فيه الأولاد ولو لم يتخذ الأب الإجراء اللازم لإخراج التلفزيون من البيت فإن المتوقع أن الأولاد قد تحصنوا ضده، ولن يشاهدوا إلا النافع دون الضار - هذا إن شاهدوا- وهذا أبلغ في استقامتهم على المبدأ مستقبلاً.

ولن يضير الولد مشاهدة التلفزيون عند الجيران أو الأقارب، بل لن يهتم بذلك لزهده فيه أصلاً، فلو حدث شيء من الميل عند الولد نحو برنامج منحرف عرض على التلفزيون عند أحد الأقارب أثناء زيارة ما، فإن الأب ينبهه إذا وجد فرصة، وإلا عاتبه في البيت إذا رجع وبين له الخطأ في هدوء دون شدة.

والمقترح للأب أن لا يزور الأقارب، أو الجيران، الذين لا يلتزمون بالأدب الإسلامي فيما يشاهدونه على التلفزيون في أوقات البث التلفزيوني أو على الأقل في أوقات بث البرامج السيئة، خاصة في فترة تدريب الأولاد على هجر التلفزيون، والزهد فيه.

ولا بد أن يعرف الأب أن مسؤوليته لا تنتهي بمجرد التوجيه والبيان، بل لا بد من المتابعة، والصبر، والتلطف مع الصغار، فهذه هي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام مع الصبيان، إذا أمر بأمر تابع الولد حتى ينفذه، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ((كان رسول الله r من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة, فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني نبي الله r، قال خرجت حتى أمر على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله r قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله)).

وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أهمية متابعة الصبي في تنفيذ الأوامر، حتى وإن أظهر الصبي ممانعة كما فعل أنس رضي الله عنه بقوله: ((والله لا أذهب))، ولكن الرسول r لم يلتفت إلى ممانعته لصغر سنه وكونه دون سن التكليف، بل لحقه حتى السوق، وأمره بأن يذهب حيث طلب منه، والأب يقتدي برسول الله r في الصبر على الأولاد، ومتابعتهم في تنفيذ الأوامر بشيء من الملاطفة والإحسان.