- أيها المسلمون : في السنة العاشرة من البعثة النبوية اجتمعت على الرسول صلى الله عليه وسلم الأحزان من كلِّ جانب : وفاة عمه أبي طالب، ووفاة زوجته خديجة رضي الله عنها.
- فاشتد الأذى بالصحابة رضي الله عنهم، حتى همَّ أبو بكر رضي الله عنه بالهجرة إلى الحبشة لولا أن ابن الدغنة أدخله في جواره.
- ووصل الأذى برسول الله صلى الله عليه وسلم أن وضع سفيه من المشركين التراب على رأسه، فدخل على فاطمة رضي الله عنها فبكت، ثم غسلت عنه الأذى.
- وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف عنها : « لا تبكي فإن الله مانع أباك » .
- وقال صلى الله عليه وسلم : « ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب».
- أيها الإخوة : لما أُغلقت أبواب الدعوة بمكة توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ومكث فيها عشرة أيام يدعو ثقيفاً إلى الإسلام.
- ولما أكثر على ثقيف أمـروه بالخروج وأغـروا به الســفهاء ، فرموه بالحجارة وشتمـوه ، وكان معه زيد بن حارثة رضي الله عنه، يدفع عنه وقع الحجارة .
- حتى لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حائط خارج الطائف لعتبة وشيبة ابني ربيعة .
- جلس يدعو ربه محزوناً مكسور الجانب ، فَرَقَّ له القوم ، وأرسلوا له عنباً مع غلام نصراني اسمه عدَّاس.
- ولما كلَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم أسلم الشاب ، ورجع إلى سيِّديه وقال : « ليس أحدٌ في الأرض خيرٌ من هذا ».
- ولما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة أسلم بعض الجن، وجاءه ملك الجبال ليخسِف بأهل مكة فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بهم .
- ولما وصل إلى مكة أرسل إلى ثلاثــة نفر ليجيروه حتى يدخل مكة ، فلم يجبه إلا المُطْعم بن عَدي، فلم ينْسها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته يدعو الناس فرادى وجماعات، ويعرض نفسه على القبائل : « من يُجِرْني حتى أبلِّغ دعوة ربي ؟ ».
- واستمر المشركون في أذى المسلمين ، والدعاية الكاذبة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالقبائح عند زوَّار مكة.
- ومع هذا فقد أسلم بعضهم مثل : أبي ذر الغفاري ، والطفيل بن عمرو الدوسي، وضماد الأزدي رضي الله عنهم، رغم الضيق ، وأسباب التضليل.
- وفي موسم سنة إحدى عشرة للبعثة لقي الرسول صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الخزرج عند العقبة ، فحدثهم فأسلموا ، وكانت بداية الانفراج للدعوة الإسلامية .
- وكانت حادثة الإسراء والمعراج التي رأى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى: نقله ربه ليلاً إلى المسجد الأقصى، فصلى بالأنبياء، وعرج به إلى السماء، حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه ربه، وفرض عليه الصلاة، ثم رأى الجنة والنار، ورأى أهل الكبائر والكفار، وأكلة الربا، وأهل الخمر، والزنا، والكذابين، والنمامين ، وكانت رحلة عظيمة لا مثيل لها، خفَّفت شيئاً من مصاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
- لقد كانت السنة العاشرة من البعثة سنة شديدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعام حزنٍ، ومع هذا كان الفرج في نهايتها ، وبداية طور جديد تدخله الدعوة الإسلامية.
* * *
- أيها الإخوة : إن الحكمة من سرد أخبار السيرة النبوية هو حصول العبرة والاقتداء بخير الخلق صلى الله عليه وسلم.
- ففي نقل الدعوة من مكة إلى الطائف دليل على أن الدعوة ليست خاصة بأهل مكة وإنما هي عالمية لا مكان لها.
- ومن الحكم : صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على السفهاء ، وعظيم مكانته وحبِّه الخير للناس، بعدم الاستجابة لملك الجبال ، حين استأذنه في إطباق الجبال على أهل مكة.
- ومن الحكم : بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يجري عليه ما يجري على الناس من الفزع والحزن والألم.
- عدم منع الدعوة عن أحد، فقد عرضها الرسول صلى الله عليه وسلم على عدَّاس وعلى الجن، وامرأة من أهل الطائف فأسلموا جميعاً.
- الاستفادة من الفرص المتاحة ولو كانت من الكفار ، فأبو طالب نصر الدعوة زمناً ، وجوار المُطْعم بن عَدي كان حمىً للرسول صلى الله عليه وسلم.
- عدم ملل الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعوة بعد دخوله مكة ، فقد استمر في الدعوة.
- دعوة الإسلام دعـوة منطقية واضحة يحبها كلُّ من يحب الخير، لهذا أسلم أبو ذر، والطفيل بن عمرو رضي الله عنهما وغيرهما كثير حينما عرضت عليهم.
- أيها الإخوة : ومما يستفاد من حادثة الإسراء والمعراج :
- قدرة الله تعالى المطلقة في تحقيق الإسراء والمعراج وهي المعجزة ، وأن الله قادرٌ على نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكنه أراد الابتلاء ، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في نهج الدعوة .
- ارتباط مكة والمدينة وبيت المقدس برباط العقيدة ، فلا انفصال بينهنَّ.
- ارتباط جميع الأنبياء والرسول صلى الله عليه وسلم بالمصدر الإلهي الواحد ، فالمسلمون أولى بكل الأنبياء عليهم السلام من أممهم المكذِّبة.
- فضل الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم جميعاً حين صلى بهم ، وارتفع عنهم إلى أعلى المنازل.
- عِظَمُ قدر الصلاة حين شرعها الله ، ولقَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة .
- تحذير أهل الكبائر من المعاصي ، وأن عذابهم حق .