- أيها المسلمون : لقد ثبت يقيناً أنه لا وحي بعد وفاة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ، فهو خاتم الأنبياء، ورسالته خاتمة الرسائل الربانية.
- فلم يعد تجديد الدين من خلال الوحي وبعث الرسل، وإنما من خلال دأب الأمة وجهدها في إحياء تراثها ، وسنن رسولها صلى الله عليه وسلم.
- ومن هنا كان لا بد أن تبقى معالمُ هذا الدين وشعائرُهُ وسنَنُهُ قائمةً في حياة الأمة، وظاهرةً في واقعها وممارساتها.
- ولهذا شرع المولى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليكون أداة الأمة الدائمة لليقظة والتجديد ، وإحياء ما اندرس من معالم الدين.
- ومن خلال الاستقراء لنصوص الشريعة في الكتاب والسنة : اتفق العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه فريضة لازمة على الأمة.
- فهو فريضة على الأمة في الجملة ، إلا أن درجته تختلف حسب موقع الشخص وعلمه وقدرته.
- فما يجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحاكم وأعوانه والعلماء وأهل الحِسبة : أكبر مما يجب على غيرهم من العوام، ومن لا علم عندهم.
- إلا أن الجميع مطالب حسب استطاعته وعلمه ومكانه بأن يقوم بمرتبة من مراتب الإنكار: باليد أو اللسان أو القلب.
- فمن كان له سـلطان وقوة أنكر بيده، ومن كان دون ذلك أنكر بلسانـه، ولا يُعذر أحد في ترك الإنكار بالقلب ، فهو أقل الإيمان.
- وعلامة الإنكار بالقلب الشعور بالألم والحزن والغضب حين تُنتهك حرمة من حرمات الله، وهذا كافٍ لمن لا سلطان له، ولا جاه عنده.
- وقد كان بعض السلف حين يعجز عن إنكار المنكر بيده أو بلسانه : يجد من الحرقة والألم في نفسه ما يجعله يبول دماً.
- وإنما الهلاك والخسران على من يرى المنكر ويرضى به ، أو يحضره بنفسه، أو يشتريه بماله ، فهذا هالك آثم.
- وأقبح منه وأخبث من ينشرح صدره بالمنكر ، ويبتهج برؤيته ولا يرجو زواله، فهذا يُخشى عليه في أصل إيمانه ودينه.
- فأيُّ إيمان عند من لم يتمعَّر وجهُهُ لمظاهر : الشرك ، والبدع ، وسبِّ الدين، والاستهزاء بالأحكام الشرعيــة ، وتنحية الشريعة الإسلامية عن واقع الحياة ؟!
- وأيُّ إيمان عند من لا يغضب من انتشار الفواحش والدعارة وبيوت اللهو في بلاد المسلمين ؟!
- وأيُّ إيمان عند من لا يتألم لانتشار الربا والعقوق وقطيعة الأرحام في المجتمعات الإسلامية؟!
- وأيُّ إيمان عند من لا يحزن لمظاهر التبرج في النساء في الطرق وعلى المجلات وفي الشاشات التليفزيونية؟!
- لقد شهد على هؤلاء وأمثالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: « وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ».
- فكيف يرضى المسلم لنفسه أن يصل إلى هذه الدرجة من اضمحلال الإيمان في قلبه من أجل شهوة أو لذة يراها ولا ينكرها؟!
- أيها المسلمون
: إن وقوع بعض الناس في الخطأ والانحراف
ليس بغريب على المجتمع المسلم ، ولكن الغريب
أن يجاهر العصــاة بمعاصيهم ثم
لا يجدون من الصالحين
وأهل الحِسبة من ينكر عليهم ويؤدبُهم.
- وقد جاءت التحذيرات الشديدة للصالحين حين يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروا فلا يغفر لكم ».
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا تركت أمتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حُرمت بركة الوحي ».
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « قيل يا رسول الله : أَتَهلَكُ قريةٌ وفيها الصالحون ؟ قال: نعم، قيل: بمَ يا رسول الله؟ قال: بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله عز وجل».
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الناس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه: أوشك أن يعمَّهُمُ الله بعقاب ».
- وقال حذيفة رضي الله عنه : « والله لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليُسلطنَّ الله عز وجل شراركم على خياركم ».
- وسأل عبد الله بن الزبير كعب الأحبار رضي الله عنهم : « هل لله من علامة في العباد إذا سخط عليهم ؟ قال: نعم، يُذلُّهم فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر».
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ".
* * *
- أيها الإخوة : لقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضعُف في آخر الزمـان ، حتى يتركَهُ الناس ، بل يأمرون بضده ، وكلُّ هذا لا يسوِّغ للمسلم تركه ، أو التهاون به.
- وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «يذهب الصالحون أسلافاً ويبقى أصحاب الريب ، قالوا : يا أبا عبد الرحمن: من أصحاب الريب؟ قَال : قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر »، يعني : كأن الأمر لا يعنيهم في شيء.
- فاتقِ الله أيها المسلم ، ولا تكن من أهل الريب، واعلم أنك إن قمت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكــر بعلم وحكمــة فإنك منصــور بإذن الله تعالى، والله يقول: " وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ".
- والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « ألا لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه».
- وليتقِ الله الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بأن يُتْبعوا القول العمل، فإن المؤمن الحق يتكلَّم قليلاً ويعمل كثيراً، والمنافق يتكلَّم كثيراً ويعمل قليلاً.