- أيها المسلمون : مطلب جليل، وهدف عظيم ، الكل يسعى لبلوغه والوصول إليه، وإذا فقده شعر بالألم الشديد، والحزن العميق.
- إنها السعادة أيها المسلمون، الكل يسعى إلى بلوغها، والوصول إليها، إلا أنهم يختلفون في مفهومها، والطريق إليها.
- فمن الناس من يرى السعادة في الاستكثار من المال، فسعادته في نمائه وازدياده، وشقاوته في نقصه وانخفاضه.
- لقد ارتبطت سعادته بالأرقام المالية في صعودها، وارتبطت تعاسته بها في انخفاضها وهبوطها.
- فيوم عيده حين تزدهر تجارته، وتروج بضاعته، ويوم تعاسته حين تكسُد بضاعته، ويضعف رواج تجارته.
- لقد اختصر الحياة كلَّها بما فيها من المتغيِّرات الكثيرة : في الأرقام المالية، فلا يعنيه شيء في الحياة إلا ما كان متصلاً بأمواله ومصالحه المالية الخاصة.
- فإذا اهتزت الأسواق المالية، واضطربت الأسعار: اهتز كيانه، واضطربت أركانه، وربما مرض أو هلك.
- أيها الإخوة : إن المال بكل ما يحمله من الأهمية والحيوية: لا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل المؤمنين إلى مرضاة رب العالمين.
- إن المؤمن يجمع المال من حلال فيثاب على ذلك، وينفق على نفسه وولده وأهله فيثاب على ذلك، ويهدي ويتصدق فيثاب على ذلك.
- والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول: « نِعْمَ المالُ الصالح للرجل الصالح
».
- كم هي نعمة أن تكون الأموال الصالحة في أيدي الصالحين من أبناء المجتمع.
- يتاجرون في الحلال، فيقيمون المشاريع الاستثمارية، وينشئون المنشآت التجارية، ويؤسسون للمصانع الإنتاجية.
- فينتفع المجتمع بمشاريعهم، فيحصل بها الاكتفاء الذاتي، والتنمية المحلية، ويجد الشباب فيها فرصاً للعمل.
- وكم هي نقمة على المجتمع حينما تكون الأموال في أيدي الفاسدين من أبناء المجتمع، فلا يزكُّون ولا يتصدَّقون، ولا يشبعون ولا يكتفون.
- يتعاملون بالربا، ويقامرون بالأموال، ويتَّجرون في الحرام ، ويهربون بأموالهم بعيداً عن أوطانهم، ينتفع بها الكفار والفجار.
- وإذا استثمروا في البلاد : استثمروا في مشاريع ترفيهية أو استهلاكية ، لا تبني الاقتصاد، ولا تنفع المواطن.
- لقد عشعش حب المال في قلوبهم، لا يبالي أحدهم من أين اكتسبه، من حلال أو من حرام، فلا يكاد يشبع من حبِّه وجمعه.
- إن الإسلام لا يحرم جمع المال واستثماره، بل هذا من فروض الكفايــة؛ إذ لا بد للمجتمع من تجار ومستثمرين ينهضون بحاجات المجتمع.
- والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ».
- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: « أفضل الكسب: بيع مبرور، وعمل الرجل بيده».
- وإنما الممنوع هو الاتجار في الحرام، والاستثمار في غير الحلال، حين يظن بعض الناس : أن الرزق يفوت إذا لم يأخذه من حرام.
- والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « أيها الناس : اتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ؛ فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ، ودعوا ما حرُمَ ».
- ويقول أيضاً : « إن روح القدُس نفث في روعي فأنَّ نفساً لن تموت حتى تستكمــل أجلهــا، وتستوعب رزقها، فاتقــوا الله فأجملــوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية؛ فإن الله تعالى لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته ».
- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: « لكل بشر رزقه من الدنيا هو يأتيه لا محالة، فمن رضيَ به بورك له فيه ووسعه، ومن لم يرضه لم يبارك له فيه ولم يسعه ».
- فاتقوا الله أيها الناس، واحرصوا على الحلال، وإياكم والحرام.
- اللهم رضِّنا بما رزقتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك يا أرحم الراحمين.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ".
* * *
- أيها الإخوة : إن للسعادة ركنين : الأول : الإيمان بالله تعالى ، والثاني : العمل الصالح، كما قال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ".
- لقد هاجر أصحاب النبي من مكة إلى المدينة لا يملكون شيئاً إلا ما يستر عوراتهم، لقد جرَّدهم أهل مكة من كل أملاكهم.
- ومكث بعضهم بعد الهجرة حتى مات لم ينل من زهرة الدنيا شيئاً، يموت أحدهم وحاجته في نفسه لم يحقق منها شيئاً.
- لقد مات مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وقد كان من أغنياء مكة، فلم يجدوا ما يكفِّنونه به، إلا شملة قصيرة، إذا غطوا بها رأسه انكشفت رجلاه، وإذا غطوا بها رجلاه انكشف رأسه.
- ومع كلِّ هذا الفقر فقد كانت سعادتهم في قلوبهم، بساتينهم في صدورهم، لا يعرف طعمها إلا الأتقياء.