- أيها المسلمون : لقد جرت سُنةُ الله في خلقه على الابتلاء، إما في النفس، أو المال، أو الولد، أو الوطن، فمن سلم من البلاء في شيء لحقه في آخر، وهكذا فالأصل في الدنيا البلاء والاختبار.
- والظاهر من أحوال الناس أن الابتلاء بالمرض في الأبدان لا يكاد ينجو منه أحد إلا نوادر الناس.
- وعلى الرغم من كراهية الإنسان للمرض فقد ورد في فضل المرض للمؤمن ما هو كثير، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكةُ يُشاكُها : إلا كفر الله بها من خطاياه».
- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: «ما زال الله يبتلي العبد حتى يلقاهُ وما لَهُ من ذنب».
- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إذا أراد الله لعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد لعبده الشر أمسك عليه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة».
- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً : «من يرد الله به خيراً يُصب منه».
- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: «يَوَدُ أهل العافية يوم القيامة أنَّ جلودهم كانت قُرضت بالمقاريض مما يرونَ من ثواب أهل البلاء».
- وقد خصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الأمراض بمزيد أجر، فقد قال في الطاعون: «الطاعونُ شهادةٌ لكل مسلم ».
- وقال صلى الله عليه وسلم في الحمى: «تُذهبُ خطايا بني آدم ، كما يُذهب الكيرُ خبثَ الحديد»، ونهى عن سبِّها.
- وقال صلى الله عليه وسلم فيها أيضًا : «مثل المؤمن حين يُصيبه الحمى أو الوعك : مثلُ حديدةٍ تدخل النار ، فيذهبُ خبثُها ، ويبقى طيبُها».
- ثم إن المرض لا ينقص من عمل العبد شيئاً ؛ فإن الله يقول للملائكة: «اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت».
- ولهذا كان السلف لا يكرهون المرض لما فيه من الأجر والثواب، وقد كان بعضهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء.
- يقول أبو هريرة رضي الله عنه في شأن الحمى: «ما مرضٌ أحَبَّ إليَّ من هذه الحمى ؛ إنها تدخل في كلِّ مفصلٍ، وإن الله يعطي كلَّ مفصلٍ قسطه من الأجر».
- بل إن السلف كانوا يكرهون معاشرة من لا يُصيبه المرض، ويظنُّون به الظنون، ولهذا كان أشد البلاء يصيب الفضلاء، كالأنبياء والصالحين، وكلَّما كان في العبد قوة وإيمان زاد الله في بلائه ، حتى يمشي ليس عليه خطيئة.
- وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أشد الناس بلاءً ؛ فقد كان يصيبه المرض مضاعفاً، حتى إنه ليمكث الليالي لا يستطيع النوم.
- وقد قالت عائشة رضي الله عنها : « ما رأيت أحداً الوجعُ عليه أشدُّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ».
- جاءت مرةً امرأة سوداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو مرضاً بها وتطلب منه الدعـاء، فقال لها: « إن شئت دعوت اللهَ أن يَشفيَكِ، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك، قالت: بل أصبر ولا حساب عليَّ ».
- ولما أُصيب عروةُ بنُ الزبير رضي الله عنهما في قدمه بالآكلة، وقرر الطبيب قطعها، أبى أن يتناول المخدِّر، وقُطعت من فخذه بالمنشار فما جزع، وما ترك ورده من القرآن في تلك الليلة، فما أمسى حتى بلغه وفاة ولده محمد فاحتسبه، وقال مخاطباً ربه: « لئن ابتليت فقد عافيت، ولئن أخذت فقد أبقيت »، وهكذا السلف : صبر ورضى.
- ولئن كانت الشريعة لم تكره المرض، فقد أمرت بالتداوي، ولاسيما لمن لاصبر له على المرض، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن التداوي فقال : «تداووا؛ فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء، غير داءٍ واحدٍ وهو الهرَمُ».
- وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في العلاج أنواعاً من الحبوب والمواد والأطعمة، فقد ذكر الحبة السوداء، والعجوة، والعسل، وذكر الحناء للجروح، والماء للحمى، والإثمد للعين، وأمر بالدعاء للمريض، وأجاز الرقية الشرعية بالقرآن والسنة، وحرم العلاج بالخبائث والمحرمات.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ".
* * *
- أيها الإخوة : لقد سنَّ لنا الرسول صلى الله عليه وسلم زيارة المريض، وجعلها حقاً من حقوق المسلم على أخيه المسلم ، وكان يقول: «أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكُّوا العاني».
- وكان صلى الله عليه وسلم يُرَغِّب في الزيارة ويقول: «ما من مسلمٍ يعودُ مسلماً غدوةً إلا صلى عليه سبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتى يُمسي، ولا يعوده مساءً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان في خريف الجنة»، يعني: في ثمارها.
- وقد استحب السلف أن لا يُزار المريض إلا بعد ثلاثة أيام من مرضه، وأن لا يُطيــل الزائر عنده، فقد قال الإمـام طاووس رحمه الله : « خير العيادة أخَفُّها ».
- وقال أبو العالية رحمه الله : « ما أرفق العرب : لا تطيل الجلوس عند المريض ».
- والسُّنَّة في الزيارة أن يضع يده على المريض – إذا تيسَّر ذلك- ويدعو له، وفي الحديث : «ما من مسلم يعود مسلماً فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك، إلا شُفِيَ، إلا أن يكونَ قد حضر أجلُه».