- أيها الإخوة : ومع نهاية العام الدراسي يتجدَّد في نفوسنا الأمل والفرح بنجاح أولادنا، وتفوقهم، وتخرجهم.
- فليس للأبوين همٌّ أكبر ولا أعظم من نجاح الأولاد وتخرجهم، ومن ثمَّ تعيينهم، وتأهيلهم للعمل والزواج والاستقلال.
- ومع ذلك تمتزج هذه الفرحة بألم عميق، وحزن شديد عند عقلاء المجتمع، وخبراء التربية والتعليم.
- يدفعهم إلى هذا الألم والحزن واقع حضاري متردٍ، ومستقبلٌ قادم مخوِّف، وواقع مضطرب، ومستقبل لا يبشر بخير كثير.
- إنه ليهول المراقبين حجم الإنفاق الكبير من : المال والوقت والجهد على التعليم، ويهولهم أكثر ضآلة النتائج المحبطة.
- فمع كل هذه الجهود المبذولة لإخراج الأمة من التيه الحضاري الذي ترزح فيه منذ عشرات السنين، فإن الأمة لا تزال تراوح مكانها.
- فما أن تتقدم خطوة إلى الأمام، فنبتهج لذلك، حتى تفاجئنا بخطوات إلى الوراء؛ فإذا بنا في ذيل ركب الحضارة المعاصرة.
- لقد ملكنا اليأس من خروجنا من أزماتنا الحضارية الخانقة، حتى أيقنا بعد تراكم الإحباطات أننا لا نحسن شيئاً.
- لقد أخفقنا في صناعة ملابسنا وطعامنا ومراكبنا وأدواتنا، لقد أخفقنا حتى في صناعة ألعابنا وتحفنا المنزلية.
- لو حاصرنا أعداؤنا اقتصادياً، فمنعوا عنا حاجاتنا، فماذا ترانا نصنع؟ كيف نأكل؟ وبماذا نستر عوراتنا في صلاتنا؟
- أين الخريجون من المؤسسات التعليمية والصناعية والعسكرية، ألم يتزوَّدوا بالمعرفة والمهارات اللازمة للنهضة الحضارية؟!
- أمن المعقول أن أبناءنا لا يحسنون شيئاً ؟ يتخرجون من هذه المؤسسات التعليمية كما دخلوا، ليس معهم من العلم والمهارات إلا يسير.
- أين المبدعون؟ أين الموهوبون؟ إن أحدنا يعيش دهراً طويلاً لا تكتحل عيناه بمبدع واحد، ينعقد الأمل عليه بعد الله تعالى.
- وإن وجد فينا مبدع أو موهوب: أحاطت به ظروف الإحباط من كل جانب، ورمقه الحاسدون من كل صوب، حتى ينسجم مع الركب ضمن باقي القطيع.
- وإن قدَّر الله للمبدع أن يتجاوز إحباطات مجتمعه، ويحافظ على إبداعه: استقطبته قوى الشر لتستثمر إبداعه في خارج وطنه، وربما ضدَّ أمته.
- فها هي آلاف العقول العربية والإسلامية المهاجرة من أوطانها إلى أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، يبحثون عن ملاذ لهم من ظلم ذوي القربى.
- لقد ظلمهم الأقربون في أوطانهم، وضيقوا عليهم في عيشهم، حتى اضطروا إلى الرحيل إلى بلاد الكفار لينتجوا فيها ، ويحققوا شيئاً من آمالهم .
- حتى أصبحت بلاد المسـلمين – للأسـف – بلاد طـرد للإبداع والتفوق ، لا تنسجم إلا مع التخلُّف والتبعية والانحطاط.
- إن جمعاً من المتنفذين في بلاد المسلمين تلتقي أهدافهم مع أهداف أعداء الإسلام في إبقاء الأمة في تخلُّفها وتبعيتها.
- إنهم يقتاتون على أنقاض المسلمين، وعلى جراحهم وآلامهم، لا يُسعدهم أبداً أن يخرج المسلمون من أزماتهم.
- إنهم في كل مناسبة يقذفون بالعقبات في طريق نهضــة الأمة، واستقلالها، لا تتحقق مصالحهم إلا في تخلفها وتبعيتها.
- لقد سعى المبطلون لإقناع الأمة بواقعها المتردي، وضرورة السير في طريق الغرب، والتبعية له.
- مغفلين تاريخ الأمة الحضاري في زمن عافيتها، حين تعاملت مع الكون ومدخراته، وسخَّرته لمصالحها وحاجاتها.
- فكان الإبداع والتفوق هو عنوان الأمة في كل مناشط حياتها، حتى ذخرت كتب التراجم بألوف المبدعين والموهوبين.
- لقد تفوقت الأمة حين كانت مصطلحة مع ربها، فطوَّع لها الله كلَّ شيء في الكون ، وفتح لها خزائنه ، فانتفعت ونفعت.
- وحين خاصمت الأمة ربها، وأعرضت عن دينها: تنكَّر لها كلُّ شيء في الكون، وأغلقت دونها خزائنه : فضلَّت وذَلَّت.
- أعوذ بالله من الشــيطان الرجيـم : " وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ".
* * *
- أيها المسلمون : إن الطالب في حاجة إلى المؤسسة التعليمية المتفوقة، التي يجد فيها ما ينمِّي عقله، ويزكِّي نفسه، ويستثمر طاقته.
- إنه في حاجة إلى المعلم المتخصص ، الصالح في نفسه المصلح لغيره، الذي يجد فيه دفء الأب، وفقه العالم.
- إنه في حاجة إلى المنهج المدرسي المشوِّق، الزاخر بالعلم والمعارف، الذي يفتِّق العقل، وينمي الفكر.
- إن الطالب في حاجة إلى الأسرة العضوية المستقرة، التي يجد فيها القدوة الأبوية الصالحة، ويشعر فيها بالأنس والأمان.
- إنه في حاجة إلى المجتمع الصالح النظيف، الذي يوجه طاقاته، ويحترم إبداعه، ويشجعه على التفوق.
- إن الطالب في حاجة إلى الإعلام الهادف المؤدِّب، الذي لا يُضيِّع وقته بالساقط الحقير، ولا يخدش حياءه بالصورة الفاضحة، ولا بالنغمة الفتانة.
- إنه في حاجة إلى إعلام يراعي حاجاته العلمية، فلا يشغله بالتافه من البرامج فضلاً عن المحرم منها.
- إن الطالب قبل هذا وبعده في حاجة إلى الإيمان الصادق الذي يعمر قلبه، ويزكي نفسه، وينوِّر وجهه.
- إنه في حاجة إلى الطاعات والحذر من المعاصي والمنكرات؛ فإن الطاعة تنير العقل، والمعصية تذهب بنوره، وتغلق منافذه.