- أيها المسلمون : نظام الزوجية سُنَّةٌ عامةٌ من سُنَنِ الله تعالى في الخلق والتكوين، تنتظم الإنسان والحيوان والنبات.
- كما قال الله تعالى: " وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ".
- والتزاوج هو الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر، واستمرار الحياة.
- كما قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ... ".
- ولما كان الإنسان مخلوقاً مكلفاً : جعل الله نظام تزاوجه شريعةً محكمةً، ونظاماً اجتماعياً مُلزماً للناس.
- ولولا الشريعة لكان التزاوج البشري صورةً من صور التزاوج الحيواني، بل ربما كان أشدَّ منه ضلالاً وضياعاً.
- إن الغرائز الإنسانية إذا لم تضبطها شريعة مُلزمة : انطلق الناس في إشباع رغباتهم بلا قيود ولا حدود.
- مما ينتج عنه فوضى الشهوات المسعورة، التي تنتهي بالبشرية إلى الهلاك والدمار العام.
- فكل غريزة مركبة في الإنسان تحتاج إلى إشباع، وليس لهذا الإشباع عند الإنسان حدٌّ يقف عنده إذا لم يضبطه ضابط شرعي ملزم.
- فغريزة حبِّ التملك إذا لم تنضبط بضابط الشرع ؛ فإنها تذهب منطلقة للاستحواذ على كلِّ شيء، فلا تشبع أبداً.
- وكذلك الغريزة الجنسية إذا لم تنضبط بضـابط الشرع ؛ فإنها تنطلق مسعورة لا تشبع ؛ فتقع في حلال وحرام.
- وها هي فوضى الجنس تعمُّ الحياة الإنسانية المعاصرة بظلالها المقيتة، ومظاهرها المخزية، في صور يترفع عنها الحيوان.
- لقد انطلق كثير من الناس في المجتمعات المعاصرة نحو إشباع غرائزهم الجنسية فلم يصلوا إلى حدِّ الإشباع؛ وإنما ينتقلون من سعار إلى سعار.
- لم تشبع رغباتهم المسعورة من فروج النساء، ولا من أدبار الرجال، حتى فتكوا بالحيوان، يبحثون عما يشبعُ سُعارهم.
- وصدق الله العظيم إذ يقول: " وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ".
- أيها المسلمون : لقد شرع الله تعالى لنا النكاح، وأذن لنا في الــزواج فقال: " فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ".
- وقال تعالى أيضـــاً : " وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ".
- وقد سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته المباركة التزوُّج، فتزوج صلى الله عليه وسلم وتسرى.
- وكان يقول: « النكاح سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».
- أيها الإخوة : ولما كانت المرأة بطبيعتها الفطرية في حاجة إلى من يرعى شؤونها، وينظر لها، ويحميها، ويتلطف بها : أوجب الله لها: الولي والشهود والمهر.
- فأما الولي فإنه ليضبط حق المرأة، وليختار لها الكفء، ثم يعرض عليها لتختار لنفسها.
- وفي الحديث: قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أيما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ».
- وأما الشهود فحتى يخرج النكاح عن السر، إضافة إلى سماعهم الشروط لضبط الحقوق بين الزوجين.
- وفي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل».
- وأما المهر فإنه من حقوق المرأة، ومن مظاهر التلطُّف بها، فلا يحل له أن يدخل بها حتى يقدِّم لها شيئاً ولو يسيراً.
- كما قال تعالى: " وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً "، يعني: هدية وعطية، بطيب نفس من الرجال.
- أيها المسلمون : إذا حضر الولي والشاهدان، وقُدِّم المهر ولو يسيراً، ووافقت المرأة: فهذا هو النكاح الإسلامي، وما زاد على ذلك فإنما هي شكليات وتوابع يقوم بها المسلم على ما يتيسر كالوليمة، والدف، والتوسع في الأفراح والمساكن والفرش.
- والناظر في أحوالنا الاجتماعية يجد أننا تشدَّدنا وتوسعنا فيما جاءت الشريعة بالتيسير فيه، مما هو تابع وليس بأصيل.
- حتى إن الرجل ليتكلَّف لزواج ولده أو ابنته فوق طاقته، يبيع ما فوقه وما تحته ليظهر أمام الناس بما يظن أنه لائق به.
- ولقد رأينا في المجتمع من لا يملك بيتاً يسكنه، ومع ذلك ينفق في عرس ولده أو ابنته كما ينفق الأغنياء، لا تكاد تفرق بينهم.
- ثم يمكث بعد ذلك زمناً طويلاً يسدد ما عليه من ديون، وربما توسع في الوليمة فإذا أراد شراء الأثاث عجز عن ذلك.
- وأعجب من ذلك أن تجد الرجل الفقير، الذي يعيش على حسنة المحسنين يتوسع في أمر النكاح كحال الأغنياء أو قريباً منهم!
- لقد زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على نعلين، وزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها بدرع، وجاءه رجل لا يملك إلا إزاراً يستر عورته ، فزوَّجه على ما كان معه من القرآن ، ثم أذن له فذهب بالمرأة ، أين تراه ذهب بهـا ، وهو لا يملك من الدنيا إلا إزاراً يستر عورته ؟!
- إن المقصود من كل هذه التدابير النبوية هو حصول النكاح ، وتحقيق العفة، وليس هو الشكليات والرياء والسمعة التي غرق فيها كثير من الناس.
* * *
- أيها الإخوة : لقد شرع الله تعالى المهر والوليمة والدف ونحوها لتكون سبباً لحصول النكاح، وليست لتكون عوائق تحول دون النكاح.
- ولقد اتفقت كلمة العقلاء في هذا العصر على أن تكاليف الزواج تقف حائلاً دون إتمام الزواج ، وحصول الإعفاف والسكن.
- يمكث الشاب بعد بلوغه، عشر سنوات ينتظر الزواج، ومنهم من يمكث خمسة عشر عاماً، ومنهم من يزيد على ذلك.
- وتقعد الفتيات في البيوت ينتظرن الشباب حتى يتأهلوا، فتقعد إحداهن عند أهلها حتى يملُّوا منها.
- شباب متعطش مفتون، وفتيات مشتعلات مفتونات، فلا تسأل عما يجري بين الفريقين من التجاذب والتغازل والفساد.
- حتى إنك لتشعر وكأنك تعيش ثورة شهوانية بين الفتيان والفتيات، عبر الجوالات، وشبكات الإنترنت ، وفي الشوارع والأسواق.
- تخرج إحداهن إلى السوق بزيٍّ فاضح، وحركات غريبة، وكأنها تقول للشباب : خذوني واذهبوا بي.
- وترى الشاب على الطريق ينظر إلى الفتيات، وقد امتلأ بالشهوة، لا يبالي بمن حوله من الناس ، ولا يستحي من نظرهم إليه ، وكأنه ذئب بشري.
- ثم ماذا بعد ذلك ؟ اتصال من الهيئة: أنت فلان؟ تعالَ واستلم ابنتك من مكتب الهيئة.
- يأتي الأب في آخر الليل متعباً، فتصارحه الأم: ابنتك خرجت إلى الجامعة منذ الصباح ولم تعد حتى الآن.
- البنت البكر تشكو آلاماً في معدتها ، وتستفرغ كلَّ ما يقع في بطنها، يذهب بها أبوها إلى الطبيب، مبروك، ابنتك حامل.
- قصص كثيرة يعج بها واقعنا، ليس لها تفسير إلا أنها الفطرة ، التي لا يمكن أن يقف في وجههـا شيء من العـادات ، ولا التقاليــد ، ولا الدراسة ، ولا المهر ، ولا الوليمة ، ولا فرش المنزل .