- أيها المسلمون : لقد امتنَّ الله تعالى على الإنسان حين هداه إلى اللباس وستر العورة كما قال تعالى : " يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ".
- فقد أمر الله تعالى الرجال بستر العورة من السرة إلى الركبة وجوباً، ثم استحب لهم أن يستروا باقي البدن احتراماً للعرف الاجتماعي، وجمَّلهم بستر رؤوسهم بالعمامة والقلنسوة ونحوهما، ثم زاد النساء فوق ذلك بالجلابيب يسترن بها كلَّ البدن.
- ومن هذا يُلاحظ أن زيادة الثياب: زيادة في الحفظ والفضل ، فكلما زاد الستر زاد الفضل، وهكذا درج الفضلاء على الاستكثار من اللباس ، فقد كان لا يُرى من جسد موسى عليه السلام إلا الوجه والكفان .
- ولهذا ألزم نساء النبي صلى الله عليه وسلم بكامل الستر مع القرار في البيت، وعدم ظهور شخوصهن، ولهذا كن في أسفارهن لا يختلطن بالنساء، ولكن يسافرن في مجموعة منفصلة.
- ويفهم من هذا – أيضاً – أن التخفف من اللباس مذمة خلقية، ومسلك حيواني، رفع الله منزلة الإنسان المؤمن عنه.
- ولهذا ارتبط الاستكثار من اللباس بالتقدم الحضاري، وارتبط العري بالمجتمعات البدائية والهمجية.
- أيها المسلمون : لم تعرف البشرية هذا العري لاسيما في النساء إلا في هذا العصر، وبالتحديد مع بداية القرن العشرين الميلادي.
- لقد درجت المجتمعات الإنسانية المتحضرة منذ فجر التاريخ على ستر النساء، حتى إن غطاء الوجه كان معروفاً عند بعض النساء في أوروبا مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
- وحتى المرأة العربية لم تعرف كشف الوجه إلا بعد الدعوة المشبوهة إلى تحرير المرأة مع بداية القرن العشرين، فقد بقيت المرأة مستورة عبر تاريخ الإسلام، لا تعرف الرجال ولا يعرفونها، ومع ذلك بلغت ما بلغت من العلم والفضل والفقه ورواية الحديث دون سفور أو تبرج.
- وقد ذكر أحد علماء شنقيط أنه لا توجد عندهم امرأة لا تقرأ ولا تكتب قبل مائة عام؛ وذلك حين كانت المرأة مستورة ببيتها وحجابها، وها هم اليوم بعد دعوة تحرير المرأة تصل الأمية في موريتانيا إلى نسب عالية جداً.
- ولهذا يلاحظ أن خلاف الفقهاء في جواز كشف وجه المرأة بقي ضمن حد الكتب العلمية، نقاشاً نظرياً لا علاقة له بواقع الأمة العملي.
- ولقد جرَّ كشف وجوه النساء على الأمة ويلات عظيمة، فإن الفترة الزمنية بين كشف المرأة العربية عن وجهها وكشفها عن فخذها في البلاجات والسينما والمسرح لا يزيد عن أربعين عاماً.
- ثم إن الفقهاء السابقين الذين أجازوا كشف الوجه : لم يتخيَّل أحدهم أن تكون المرأة منظرة للرجال على الشاشات والمجلات وفي المكاتب والمنتديات، تضاحك الرجال ويضاحكونها ؟
- أيها المسلمون : لقد أجمع العلماء من المتقدمين من المجيزين للكشف ومن المانعين أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها بقصد التبرج وإظهار الزينة، أو عند كثرة الفساق، أو إن كانت حسناء تفتن الناس، فأين هذه الضوابط في واقع الناس؟
- وهذه المجتمعات العربية والإسلامية من حولنا : أين المجتمع الذي كشفت فيه المرأة عن وجهها ثم وقفت عند هذا الحد؟
- وها هم الإعلاميون يتخيَّرون أجمل الفتيات ليعرضونها عبر الشاشات بكامل زينتها، وقد تجرَّدت عن حجابها المفروض عليها، فلم يراعوا مسألة كشف الوجه، بل تخطوها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
- إن كشف الوجه رغم الخلاف في جوازه : هو بداية الانحراف، فقد رقصت المرأة على المسرح أمام الرجال لا تستر إلا سوأتها، وانتشرت في بلاد المسلمين دور الدعارة، والبغاء، والملاهي، في الوقت الذي لم يكن شيء من ذلك حتى بداية القرن العشرين.
- أيها المسلمون : إن الحجاب هو خصوصية المرأة المسلمة المميزة لها، وهو أكبر عقبة في طريق تغيير المجتمع ونظام الأسرة؛ ولهذا كانت الحرب عليه شديدة منذ أكثر من مائة عام، وقد جنَّد الأعداء والمنافقون من يتنادى بتحرير المرأة، والكشف عن وجهها.
- والعجيب أن دعاة تحرير المرأة قبل مائة عام ماتوا ، وماتت نساؤهم وهنَّ مغطيات الوجوه، وغالب من عشن فترتهن بعد ذلك مِتْنَ ولم يكشفن عن رؤوسهن، وهذا يدل على أن الانحرافات تبدأ يسيرة ثم تنتهي لما لا قِبَلَ للمجتمع به. (نعوذ بالله من الفساد).
* * *
- أيها الإخوة : المرأة حين تحتجب الحجاب الشرعي تحقق أموراً : منها: مرضاة الله ، ورحمة الرجال من الإثارة ، والتميز عن نموذج المرأة الغربية، والتميز عن الأَمَة المملوكة ، والحماية من أذى المنافقين ، والاستعلاء الإيماني، وكسر دافع شهوة التبرج ، وحفظ مالها وعقلها من تكاليف الزينة، ومؤونة التبرج.
- إن من الضروري أن تسأل المرأة المتبرجة نفسها: ماذا تريد غير المعنى الجنسي حين تظهر زينتها؟
- ولتسأل نفسها: ماذا يفهم الرجل منها غير المعنى الجنسي حين تتبرج؟
- كيف ترضى المرأة الحرة لنفسها أن تتشبه بالأمة التي لا حرمة في النظر إليها.
- كيف ترضى المرأة العفيفة لنفسها حين تتبرج فتكون منظرة للرجل الخائن، يتلذذ بالنظر إليها، ويحلم بها.
- وأما قول القائل بأن الزمن كفيل بأن يخفف من إثارة الرجال بتبرج النساء، حين يتعودون على ذلك ، فتصبح المرأة الأجنبية مثل أخته أو أمه لا تثيره، وهذا يعني أن يتحـوَّل الرجل إلى سلوك الخصي ، الذي استؤصلت خصيتاه ، فلا يضره الاحتكاك بالنساء.
- وهل الشريعة الإسلامية تحبذ مثل هذا ؟! بمعنى هل تحبِّذ الشريعة هذا البرود؛ بحيث لا ينجذب الرجال إلى النساء ؟ بل إن الشريعة تريد التجاذب بين الجنسين حتى يستمر النسل وتعمر الحياة، ثم إن الرجل إذا ضعف انجذابه للنساء تحول إلى الشذوذ ، وكلاهما مصيبة ، فأي المصيبتين يفضل المجتمع ؛ ليرضي أصحاب الشهوات ، ممن يريدون أن يميلوا بالأمة ميلاً عظيماً.