- أيها المسلمون : أينما نظر المتأمل في واقع الحياة المعاصرة : وجد الجميع يندِّد بالظلم، ويطالب بالعدل.
- فترى الحكومات والمنظمات والهيئات ، وآحاد الناس : الكل يذمُّ الظلم ويمتدح العدل ويُشيد به.
- ولا يُعرف عصر تشدَّق أهله بمدح العدل وذم الظلم كعصرنا هذا، حتى إنك لتتعجب: أين الظالمون؟!
- ومع كل هذا فلا يُعرف عصر كثرت فيه المظالم، وقلَّ فيه العدل كعصرنا هذا للأسف.
- فأينما نظر المتأمل وجد الظلم قد استشرى في جميع جوانب الحياة المعاصرة، وعلى جميع المستويات.
- فهذا ظلم الدول بعضها بعضاً، وهذا ظلم الجماعات والأقليات، وهذا ظلم الآباء والأمهات، وهذا ظلم الأبناء والبنات، وهذا ظلم المديرين والرؤساء، وهذا ظلم الموظفين والعمال، وهذا ظلم المساكين والفقراء، وهذا ظلم النساء والأطفال.
- فأينما جُلْتَ ببصرك في عالمنا المعاصر: وجدت مظلوماً في ماله، أو عرضه، أو نفسه.
- فهذا المسجون بغير حق، وهذا المضروب بغير ذنب، وهذا المقتول بغير جرم.
- حتى إن ظلم العباد قد ملأ فضاء السماء، وقيعان البحار، وأودية الدنيا، فلم يسلم من ذلك طير ولا دابة ولا سمكة.
- حتى إن بعض العقلاء من فرط تشاؤمهم لا يتوقَّعون أملاً في الإصلاح إلا بالمهدي، يملؤها عدلا كما ملئت ظلماً.
- أيها الإخوة : يقول الله تعالى في التحذير من الظلــم : " وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ".
- ويقول: " وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ".
- ويقول: " إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
- وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم ، فلا تظالموا».
- والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».
- ويقول أيضًا صلى الله عليه وسلم: «من أعان على خصومة بظلم : لم يزل في سخط الله حتى ينزع».
- ويقول صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس اتقوا الله، فإنه لا يظلم مؤمن مؤمناً إلا انتقم الله تعالى منه يوم القيامة».
- أيها الإخوة : إن الله لا يرضى بظلم دواب الأرض وحشراتها، فقد دخلت امرأة النار في هـرة حبستها حتى ماتت، وعاتب الله نبيًا حين أحرق قرية نمل ، فكيف بظلم الناس؟!
- يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: «إياك ودعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارتٌ من نار».
- وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عمَّاله يعظهم : «إذا دعتك قدرتُك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك».
- ولما انتقم الله من البرامكة وصاروا إلى السجون بعد الملك والعز ، قال ولدٌ لأبي يحيى البرمكي: «يا أبتِ بعد الأمر والنهي والأموال صرنا إلى هذا؟! قال: يا بني دعوةُ مظلومٍ غفلْنا عنها، لم يغفل الله عنها».
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ".
* * *
- أيها المسلمون : الظلم ثلاثة أنواع: ظلم يغفره الله، وهو ظلم العبد نفسه، فيما بينه وبين الله تعالى من الذنوب والمعاصي.
- وظلم لا يغفره الله أبداً ، وهو الشرك الأكبر، كما قال الله تعالى : " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ".
- وأما الثَّالِثُ ، فهو ظلم لا يتركه الله، وهو ظلم العباد فيما بينهم، فلا بد فيه من القصاص يوم القيامة ، وإرجاع الحقوق إلى أهلها.
- وليس ثمَّة دينار ولا درهم يومئذٍ ؛ وإنما هي الحسنات والسيئات، فإذا فنيت حسنات الظالم أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه.
- فَلْيَسْتَعِدّ الظالمـون ليومٍ يُسْأَلون فيه عن الصغير والكبير ، والعظيم والحقير، لا يخفى على الله من أمرهم شيء.
- وليستبشر المظلومون ، فعمَّا قليلٍ تنجلي الغُمَّة ويظهر المكنون، ويأتيهم نصر الله : « وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين ».
- فإذا أغلقت الأبواب في وجه المظلوم ، فإن أبواب الله مشرعة مفتوحة، وفي الحديث: «من دعا على من ظلمه فقد انتصر».
- وقد جعل الله المظلوم بين ثلاث: إما أن يدعو على من ظلمه، أو يصبر عليه، أو يسامحه»، " وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ".
- ثم إن من واجب المجتمع المسلم أن يقوم مع المظلومين، وأن يسعى في رد الظلم عنهم، فإن قصَّر وهو قادر فلا خير فيهم.